مفعوله. و ﴿مَا﴾ يحتمل أن تكون تعجبًا عَجَّبَ اللَّهُ المؤمنين من حال هؤلاء الكفرة في إقدامهم على عمل يؤديهم إلى النار، وأن تكون استفهامًا بمعنى أيُّ شيء صبَّرهم على النار؟ أي: حبسهم عليها، يقال: أصبره على كذا وصبَّره، بمعنىً، وهذا أصل معنى فعل التعجب (١).
وعن الكسائي: (ما أصبرهم) استفهام على جهة التعجب. قال بعض أهل العلم: هذا حسن، كأنه توبيخ لهم، وتعجب لنا. وعن الكسائي أيضًا أنه قال: قال لي قاضي اليمن بمكة: اختصم إليَّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له: ما أَصْبَرَكَ على الله، يعني: ما أصبرك على عذاب الله (٢).
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)﴾:
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ذَلِكَ﴾ مبتدأ و ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾: الخبر، أي: ذلك العذاب وجَبَ بسبب أن الله نَزَّل ما نزل (٣) من الكتب بالحق. ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا﴾ في كتب الله، فقالوا في بعضها حَقٌّ، وفي بعضها باطل، وهم أهل الكتاب، ﴿لَفِي شِقَاقٍ﴾ لفي خلاف ﴿بَعِيدٍ﴾ عن الحق. و ﴿الْكِتَابِ﴾ للجنس.
أو خبر مبتدأ محذوف (٤)، أي: الأمر ذلك، أو كفرهم ذلك بسبب أن

(١) هكذا في الكشاف ١/ ١٠٨، وكون (ما) للتعجب أو الاستفهام هو قول الفراء ١/ ١٠٣، والأخفش ١/ ١٦٦، والزجاج ١/ ٢٤٥. وقال أبو عبيدة ١/ ٦٤: استفهام وليس بتعجب.
وانظر الطبري ٢/ ٩١ - ٩٢ فقد أخرج الاستفهام عن السدي، وعطاء، وأبي بكر بن عياش، وابن زيد. كما أخرج التعجب عن مجاهد، والحسن، وقتادة، ورجح الطبري هذا الأخير.
(٢) كذا رواها الفراء ١/ ١٠٣ عن الكسائي.
(٣) في (أ): أنزل.
(٤) عودة إلى إعراب (ذلك).


الصفحة التالية
Icon