و ﴿أُخَرَ﴾: نعتٌ لأيام؛ لأنَّها مؤنثة، أعني تأنيث الجمع، فلذلك نُعِتَتْ بالمؤنث. و (أخر) لا تنصرف للوصف والعدل عن الألف واللام؛ لأنَّ الأصل في (فُعْلَى) تأنيث (الأَفعَل): أن يستعمل بالألف واللام، كالأفضل والفُضلَى والأكبر والكُبرى والْكُبَر، وفي التنزيل: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ (١). فأما قولهم: آخر وأخرى، لَمْ يرد على القياس من حيث استعمل عاريًا من أسباب التخصيص، قيل: هذا رجل، ومررت برجل آخر، وهذه امرأةٌ، ومررت بامرأة أخرى.
قيل: وكأنَّ الذي حَسَّن هذا أن (آخر) لا يجيء إلَّا بعد كلام، فذلك الذي يصاحبه يخصصه، كما يخصص (مِن) في قولك: مررت برجل أفضلَ من زيدٍ، وبيانه: أنك لا تقول مبتدئًا: جاءني رجل آخر، ولا جاءتني امرأة أخرى، من غير أن يتقدم ذكر شيء، فلما كان كذلك صار كأنه: مررت برجل آخر، من الذي ذكرتُ، فلما جرى هذا المعنى في المذكر استعمل المؤنث بغير الألف واللام فقيل: مررت بامرأة أخرى، وكذلك جاز هنا ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ لتقدم ذكر الأيام، وكذلك قوله سبحانه: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ (٢). فهذه آيات أخر، فاعرفه، فإن فيه أدنى إشكال.
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ أي: وعلى الذين لهم بالصيام طاقةٌ إذا أفطروا فِدْيَةٌ. قيل: وهذا عام لجميع الناس، فإنه نَزَلَ أولًا بصفة الخيار، ووجوب الفداء لكل يوم يُفْطِرُ الصائمُ فيه مُدٌّ من طعام يطعمه مسكينًا، ثم نُسخ بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٣).
وقيل: معناه وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال شبابهم، ثم عَجَزوا
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٧.
(٣) من الآية التالية.