أحدهما أن اسم الجمع يَشْتَرِكُ ما وراءَ الواحد، بشهادة قوله تعالى: ﴿صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ (١).
والثاني: أنه نزل بعض الشهور منزلةَ كلِّه؛ لأنه قد يضاف الفعل إلى الوقت، وإنما العمل في بعضه. يقال: رأيت فلانًا سنة كذا، وإنما رآه في ساعة منها (٢).
وقوله: ﴿فَمَنْ فَرَضَ﴾ مَن: شرطٌ مبتدأ. (فلا رَفَثٌ): الفاء وما بعدها جواب الشرط، أي: فمن ألزم فيهن الحجَّ نفسَه بالنية (فلا رَفَثٌ): فلا جِماع؛ لأنه يفسده، أو: فلا فُحْشٌ من الكلام على ما فسر (٣).
﴿وَلَا فُسُوقَ﴾: ولا خروج عن حدود الشريعة.
وقريء المنفيات الثلاث: بالفتح على التَبْرِيَة، والمراد به نفي جميع الرفث والفسوق والجدال، والخبر: ﴿فِي الْحَجِّ﴾، و (لا) معهن مكررة للتأكيد، وبالرفع (٤): على جعل (لا) بمعنى ليس، والخبر ﴿فِي الْحَجِّ﴾، و ﴿فِي الْحَجِّ﴾ على الأول: في محل الرفع، وعلى الثاني: في محل النصب.
وقريء: برفع الأولين وفتح الأخير (٥)، ووجه من فعل ذلك: أنه حمل الأولين على معنى النهي، مستدلًا بقوله عليه الصلاة والسلام: "من حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خرج كهيئةِ يوم وَلَدَتْهُ أمُّه" (٦). ولم يذكر الجدال، كأنه

(١) سورة التحريم، الآية: ٤. وقوله: (يشترك ما وراء الواحد) هكذا في الجميع.
(٢) انظر هذا القول ووجهي الجواب في الكشاف ١/ ١٢٢.
(٣) انظر الطبري ٢/ ٢٦٣ - ٢٦٧ فقد خرج كلا المعنيين.
(٤) قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع بالرفع في ثلاثتها، انظر المبسوط/ ١٤٥/، والنشر ٢/ ٢٢٦.
(٥) قرأ ابن كثير، والبصريان (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) بالضم فيهما والتنوين، وقرأ الباقون: (فلا رفثَ ولا فسوقَ) بالنصب بغير تنوين. وكلهم قرأ: (ولا جدالَ) بالنصب ما عدا أبا جعفر كما تقدم. انظر السبعة/ ١٨٠/، والحجة ٢/ ٢٨٦، والمبسوط / ١٤٥/.
(٦) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الحج، باب فضل الحج المبرور (١٥٢١)، ومسلم في الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (١٣٥٠) وفيهما: "رجع كيوم ولدته أمه".


الصفحة التالية
Icon