أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسنَ، تطريةً لنشاط السامع، وإيقاظًا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد (١).
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿اهْدِنَا﴾ دعاء وطلب، وصيغة الدعاء والأمر واحدة، لأن كل واحدٍ منهما طلبٌ، وإنما يتفاوتان في الرتبة، فالدعاء لمن فوقك، والأمر لمن ونك. وهو مبني عند أهل البصرة، وحذف الياء منه علامة السكون الذي هو عَلَمٌ للبناء، ومعرب عند أهل الكوفة، وحذف الياء منه علامة الجزم الذي هو عَلَمٌ للإعراب (٢).
وألفه ألف وصل كسرت لالتقاء الساكنين، هي والحرف الساكن بعدها، لأنها إنما جيء بها توصلًا إلى النطق بالساكن بعدها، لمَّا لم يمكن الابتداء به، وكان حقها أن تكون ساكنة، لأنها حرف جاء لمعنىً، ولا حَظَّ للحروف في الإعراب، وإنما حركت هي دون ما بعدها من قِبَلِ أنكَ لو فعلتَ ذلك لبقيتْ هي أيضًا في أول الكلمة ساكنة، فكان يحتاج لسكونها إلى حرف قبلها مُحَرَّكٍ يقع الابتداء به، فلذلك حركت هي دون ما بعدها.
وقيل: بل كسرت لثالث الفعل، ولم تُضَم لثقل الخروج من ضم إلى كسر، ولم تفتح لئلا تلتبس بألف المخبِر عن نفسه، وهذه علة ألف الوصل حيث وقعت في الأفعال، فإن كان ثالث الفعل مضمومًا ضممتها، نحو: اُدُخُلْ، لأنه مِن دَخَلَ يَدْخُلُ، وإن كان مكسورًا أو مفتوحًا كسرتها، نحو: اضرِبْ، إِذهَبْ، لأنك تقول: يَضْرِبُ ويَذْهَب (٣).
(٢) انظر في مسألة كون فعل الأمر مبنيًّا أو معربًا: النحاس ١/ ١٢٣ ومشكل مكي ١/ ١١، والإنصاف في مسائل الخلاف (مسألة ٧٢).
(٣) انظر الكلام على كسر همزة الوصل هنا: مشكل مكي ١/ ١٢، وانظر تفصيلًا أوسع: المسألة (١٠٧) من كتاب الإنصاف.