وجاز أن يقع (غير) صفة للمعرفة، وهو لا يتعرف وإن أضيف إلى المعارف، لأن (الذين) لا توقيت فيه، إذ لم يُقْصَد به قصد قوم بأعيانهم (١)، ولأن المغضوب عليهم والضالين خلاف المُنْعَمِ عليهم، فليس في (غير) إذًا الإبهام الذي يأبى عليه أن يتعرف، فكل واحد منهما فيه إبهام من وجهٍ، واختصاصٌ من وجهٍ، فاعرفه.
وقرئ: (غيرَ) بالنصب (٢)، ونصبه على ثلاثة أوجه:
أحدها: على الحال إما من الهاء والميم في ﴿عَلَيْهِمْ﴾، والعامل ﴿أَنْعَمْتَ﴾، أو من ﴿الَّذِينَ﴾ والعامل معنى الإضافة.
أبو علي: التقدير: اهدنا صراط هؤلاء الذين نالتهم النعمة مخالفين للمغضوب عليهم والضالين (٣).
والثاني: على الاستثناء، أَجازه الزجاج، والأخفشُ وغيرهما، ومنعه الفراء (٤) وثعلب، لأجل (لا) في قوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾، وأجيب: عنه بأن (لا) قد تكون صلة، فلا يمتنع النصب على الاستثناء، كما في قوله
(٢) هي رواية الخليل عن عبد الله بن كثير كما عند النحاس ١/ ١٢٥ وإعراب ثلاثين سورة/ ٣٤/، وقال الفارسي في الحجة ١/ ١٤٢: واختلف عن ابن كثير، فرُوي عنه بالنصب والجر، قال: والاختيار الذي لا خفاء به: الكسر. وجعلها ابن جرير الطبري ١/ ٧٨ قراءة شاذة.
(٣) تقدير أبي علي للحال هو في كتابه الحجة ١/ ١٤٣، ونقله عنه ابن عطية ١/ ٨٥ هكذا: صراط الذين أنعمت عليهم لا مغضوبًا عليهم. قلت: وهذا لفظ وتقدير أبي إسحاق الزجاج في معانيه ١/ ٥٣.
(٤) هو إمام العربية أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء الديلمي، لقب بالفراء لأنه كان يفري الكلام، وكان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي، وكان دينًا يميل إلى الاعتزال، وفيه عُجب، له عدة كتب منها: معاني القرآن، والمقصور والممدود، وتوفي سنة سبع ومائتين.