قوله عز وجل: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾. (يوم): ظرف للظرف وهو ﴿لَهُمْ﴾، أو لقوله: ﴿عَظِيمٌ﴾ (١) أو لمعنى الجملة، كأنه قيل: يعذبون يوم تبيض، ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار اذكروا.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون ظرفًا لعذاب؟ قلت: مُنع ذلك لكونه قد وصف، وأنا لا أمنعه وإن كان قد وصف، لأن الظرف تكفيه رائحة الفعل، ويعضد ما ذهبتُ إليه قولُ الشيخ أبي علي: ولم يستحسنوا هذا ضاربٌ ظريفٌ زيدًا، فظاهر قوله: "لم يستحسنوا" يدل على أنه يجوز على قُبْحٍ. وقد جوز الشيخ أبو علي فيما رُوي عنه في قوله:

١٢٨ - إذا فاقدٌ خَطْباءُ فَرْخَينِ رَجَّعَتْ ذَكَرْتُ سُلَيْمَى في الخَليطِ المُباينِ (٢)
أن يكون (فرخين) نصبًا بفاقد مع وصفه بخطباء (٣).
وعنه أيضًا: أنه ينتصب بفعل مضمر دل عليه فاقد، نحو: إذا فاقد خطباء فقدت فرخين (٤)، كأنه قيل: ما فقدت؟ فقال: فرخين.
وإذا كانوا قد جَوَّزوا النصبَ في المفعول به باسم الفاعل بعد أن وُصفَ، فأَنْ يُجَوِّزوه في الظرف بالمصدر بعد أن وُصفَ أولى وأجدر، لما ذكرت آنفًا من أن الظرف تكفيه رائحة الفعل، أي: يَعظُم العذاب في هذا اليوم، وهو يوم القيامة.
(١) كلاهما من الآية السابقة.
(٢) نسب هذا البيت إلى بشر بن أبي خازم، وهو عند الفارسي في إيضاح الشعر/ ٣٤٤/، والحجة ٥/ ٤٣١، وكذا في المخصص ١٦/ ١٢٤، والمقرب ١/ ١٢٤، واللسان (فقد). وشرح الصبان في حاشيته على الأشموني ٢/ ٢٩٥ ألفاظ هذا البيت فقال: فاقد، امرأة فاقد. وخطباء: أي: بينة الخطب، أي الكرب. فرخين: أي ولدين. رجعت: من الترجيع، وهو أن يقال عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون. والخليط: المخالط.
(٣) انظر هذا النقل عن أبي علي الفارسي في كتابه إيضاح الشعر/ ٣٤٤/ وحكاه عنه أيضًا ابن سيده في المخصص ١٦/ ١٢٣ - ١٢٤.
(٤) لم يذكر ابن عصفور في المقرب إلا هذا التقدير.


الصفحة التالية
Icon