وقوله: ﴿وَأُخَرُ﴾ عطف على قوله: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ﴾ والتقدير منه آياتٌ أخرُ متشابهات، وقد مضى الكلام على (أُخر) في سورة البقرة بأشبع ما يكون (١).
قوله تعالى: ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ (ما): موصول وما بعده صلته، وهو مع صلته في موضع نصب بقوله: ﴿فَيَتَّبِعُونَ﴾. و ﴿مِنْهُ﴾ في موضع نصب على الحال من المستكن في ﴿تَشَابَهَ﴾ متعلق بمحذوف، والضمير في ﴿مِنْهُ﴾ للكتاب.
﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾: مفعولان من أجلهما، والتأويل: مَصدَرُ أَوَّلَ يُؤَوِّلُ، أي: يؤولونه التأويل الذي يشتهونه.
وقوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ يحتمل أن يكون عطفًا على اسم الله جل وعز والمعنى: لا يَهتدي إلى تأويله الحَقِّ الذي يجب أن يُحْمَلَ عليهِ إلا اللَّهُ وعبادُه الذين رسخوا في العلم، أي: ثبتوا فيه وتمكنوا (٢). والرسوح: الثبوت في الشيء، قيل: أصله في الأجرام أن يرسخ الجبل أو الشجر في الأرض (٣). وأن يكون مستأنفًا في موضع رفع بالابتداء والخبر ﴿يَقُولُونَ﴾، وهو الوجه، بشهادة قراءة من قرأ: (إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به) وهما ابن عباس وأبي بن كعب رَضِيَ الله عَنْهُم (٤). وقراءة من قرأ: (وابتغاء تأويله إنْ تأويلُه إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون) وهو ابن مسعود رضي الله عنه (٥).
والمعنى: أن عباده الذين وُصفوا بالرسوخ لا يعلمون تأويله بل يؤمنون
(٢) الكشاف ١/ ١٧٥.
(٣) كذا في المحرر الوجيز ٣/ ٢٣. والقرطبي ٤/ ١٩.
(٤) نسبها الفراء ١/ ١٩١ إلى أُبي رضي الله عنه، ونسبها النحاس ١/ ٣١٠ إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وهي إلى الاثنين معًا عند ابن عطية ٣/ ٢٣.
(٥) كذا هذه القراءة وصاحبها في معاني الفراء ١/ ١٩١، والكشاف ١/ ١٧٦، والمحرر الوجيز ٣/ ٢٣.