وقوله: ﴿حَتَّى يَمِيزَ﴾ يقال: ماز الشيءَ يميزُهُ مَيْزًا، إذا عزله وفرزه ومَيّزه، ويميزه تمييزًا مثله، لغتان بمعنًى، وقد قرئ بهما (١).
﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾. قرِئ: (ولا يحسبن) بالياء النقط من تحته مسندًا إلى ﴿الَّذِينَ﴾، فـ ﴿الَّذِينَ﴾ فاعلون به، ومفعول الحسبان الأول إما محذوف تقديره: ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خيرًا لهم، دل عليه ﴿يَبْخَلُونَ﴾، و ﴿هُوَ﴾ على هذا فصل، أو ﴿هُوَ﴾: هو المفعول الأول، وهو ضمير البخل، ومنه قول الشاعر:
| ١٣٨ - إذا نُهِيَ السفِيهُ جَرَى إليه | وخَالَفَ والسفيهُ إلى خِلافِ (٢) |
والأَولى لا بل هو الواجب أن يكون ﴿هُوَ﴾ هنا فصلًا لا ضمير البخل لأمرين:
أحدهما: أن (هو) لا يكون ضميرًا للمنصوب إلّا على تأويل وتعسف.
والثاني: أن الضمير المتصل أخف وأخصر من المنفصل، وإذا كان
(٢) البيت غير منسوب في معاني الفراء ١/ ١٠٤. وتأويل مشكل القرآن/٢٢٧/، وجامع البيان ٤/ ١٩٠، وإعراب النحاس ١/ ٣٨١، والخصائص ٣/ ٤٩. والمحتسب ١/ ١٧٠، والمحرر الوجيز ٣/ ٣٠٦، والإنصاف ١/ ١٤٠، والبيان ١/ ١٢٩، وزاد المسير ١/ ٥١٢. وانظر خزانة البغدادي ٥/ ٢٢٦ وفيه: "إذا زجر السفيه.. ".
والمعنى: أن السفيه إذا نُصح فإنه يزداد سَفَهًا، لأن مِن شأنه الميل إلى مخالفة الناصح.