﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)﴾:
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ ﴿السُّفَهَاءَ﴾ جمع سفيه، وهم المبذِّرون، وليس المراد بهم النساء فقط كما زعم بعضهم (١)، بل النساء وغيرهن، إذ لو كان النساء وحدهن لوجب أن يكون السفائه أو السفيهات؛ لأنه الغالب في جمع سَفِيهَةٍ، فَحَمْلُهُ على الأكثر أَولى حتى يقوم دليل، عن أبي إسحاق وغيره (٢).
والجمهور على إفراد ﴿الَّتِي﴾ وهو الوجه، لكون الموصوف جمعًا لا يعقل، ولو كان يعقل لكان الوجه أن يقال؛ اللاتي، وفي التنزيل: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي﴾ (٣)، وفيه: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي﴾ (٤) فَجُمِعَ وأُفرد لما ذكرت آنفًا، هذا هو الشائع في كلام القوم (٥).
وقد جوز فيما لا يعقل اللاتي، وفيما يعقل التي، وبالجمع قرأ هنا بعض القراء: (أموالكم اللاتي) (٦)، نظرًا إلى اللفظ دون المعنى.
ونهاية صلة ﴿الَّتِي﴾: ﴿قِيَامًا﴾، وهو مفعول ثان لجعل، والأول محذوف وهو العائد، والتقدير: جعلها الله لكم، أي: صيرها الله لكم قيامًا، أي: تقومون بها وتنتعشون ولو ضيعتموها لضعتم، فكأنها في أنفسها قيامكم وانتعاشكم، وهو مصدر قام، والياء بدل من الواوِ لِكَسْرَةِ ما قبلها، وأُعِلَّتْ في المصدر لاعتلالها في الفعل.

(١) روي ذلك عن مجاهد وغيره، انظر تفسير الطبري ٤/ ٢٤٧، وإعراب النحاس ١/ ٣٩٥.
(٢) معاني الزجاج ٢/ ١٣. وقال الطبري في الموضع السابق: والصواب عندنا أن الله جل ثناؤه لَمْ يخصص سفيهًا دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهًا ما له، صبيًّا صغيرًا كان أو رجلًا كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى.
(٣) من الآية (٢٣) الآتية في هذه السورة.
(٤) سورة هود، الآية: ١٠١.
(٥) انظر معاني الفراء ١/ ٢٥٧.
(٦) نسبت إلى إبراهيم النخعي، والحسن. انظر إعراب النحاس ١/ ٣٩٦، والمحرر الوجيز ٤/ ٢١.


الصفحة التالية
Icon