آمنوا، ولو رُفع على هذا الوجه على البدل من الضمير في ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ لكان حسنًا، ولا يجوز لأحد أن يقرأ به لأن القراءة سنة متبعة، ولا يجوز أن يكون مستثنى من الهاء والميم في ﴿لَعَنَهُمُ﴾ إذ من المحال أن يكونوا مؤمنين وقد لعنوا، إلّا على تأويل وتقدير.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا﴾ (ما) يحتمل أن يكون موصولًا وما بعده صلته وعائده محذوف. و ﴿مُصَدِّقًا﴾ حال من العائد المحذوف، وأن يكون مع الفعل في تأويل المصدر تسمية للمفعول بالمصدر، كضَرْبِ الأمير، وخَلْقِ اللَّه، و ﴿مُصَدِّقًا﴾ حال منه، والعامل فيها على الوجه الأول: ﴿نَزَّلْنَا﴾، وعلى الثاني: ﴿آمِنُوا﴾.
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾ (مِن) متعلقة بآمنوا، أي: آمنوا من قبل أن نمحو تخطيطَ صورِها من عين وحاجب وأنف وفم على ما فسر (١).
﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ عطف على ﴿أَنْ نَطْمِسَ﴾، و ﴿عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ في موضع نصب على الحال في ضمير الوجوه، أي: فنردها مطموسة على أدبارها وهي الأَقْفَاءُ.
والطَمْسُ في اللغة: عَفْوُ الأثر، يقال: طَمَسَتْ أعلامُ الطريق تَطْمِسُ طُمُوسًا، إذا ذَهَبَتْ وَدَثَرَتْ. والفاء للتسبيب، وقد جوز أن تكون للتعقيب على أنهم تُوعِّدوا بعقابين: أحدهما عَقِيبَ الآخَر، وهما ردها على أدبارها بعد طمسها (٢).

(١) انظر معاني النحاس ٢/ ١٠٥ - ١٠٦، والنكت والعيون ١/ ٤٩٤، والكشاف ١/ ٢٧٢، وزاد المسير ٢/ ١٠١.
(٢) انظر الكشاف ١/ ٢٧٢، وعنه أبو حيان ٣/ ٢٦٧. وليس عندهما لفظة (وهما).


الصفحة التالية
Icon