وقوله: ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ نصب على الحال من التاء والميم في (علمتم)، قيل: وفائدة هذه الحال أن يكون من يُعَلِّمُ الجوارحَ نِحريرًا في علمه، مدربًا فيه، موصوفًا بالتكليب؛ لأن قوله: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ﴾ يغني عنها (١).
والمكلِّبُ: الذي يُعَلِّم الجوارحَ الصيدَ، يقال: كَلَّبَ وأَكْلَبَ، إذا اتخذ الجوارح وأدبها، وقد قرئ بهما (مكَلّبين) و (مكْلِبين) بالتشديد والتخفيف (٢)، وفَعَّل وأَفْعل يشتركان كثيرًا.
وقوله: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ حال بعد حال، وقيل: هو حال من المستكن في ﴿مُكَلِّبِينَ﴾؛ لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين، ويحتمل أن يكون مستأنفًا (٣).
وقوله: ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ أي: شيئًا مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره، وانصرافه بدعائه.
وقوله: ﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ الهاء في ﴿عَلَيْهِ﴾ ترجع إلى (ما) في قوله: ﴿مِمَّا أَمْسَكْنَ﴾ على معنى: وسَمُّوا عليه إذا أدركتم ذكاته، أو إلى الإرسال، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره (٤)، فيكون على التقديم والتأخير، أي: واذكروا اسم الله عليه، وكلوا مما أمسكن عليكم. وقيل: إلى (ما) في قوله: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾ على معنى سموا عليه عند إرساله (٥).
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ

(١) انظر الكشاف ١/ ٣٢٣.
(٢) الجمهور على التشديد، وقرئ في الشاذ بالتخفيف، ونسبها أبو الفتح ١/ ٢٠٨ إلى أبي رزين، وعزاها ابن عطية ٥/ ٣٦ إلى الحسن، وأبي زيد.
(٣) لم يجوِّز أبو البقاء ١/ ٤٢٠ الوجه الأول، وقدمه الزمخشري ١/ ٣٢٣ على الثالث.
(٤) أخرجه الطبري ٦/ ٩٩ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إذا أرسلت جوارحك فقل: باسم الله، وإن نسيت فلا حرج. وأخرجه كذلك عن السدي. وانظر زاد المسير ٢/ ٢٩٤.
(٥) قاله الزمخشري ١/ ٣٢٤.


الصفحة التالية
Icon