﴿النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ (من) لابتداء الغاية، وهي متعلقة بـ ﴿كَتَبْنَا﴾، أي: ابْتُدئتِ الكتابةُ وأُنشئتْ من أجل ذلك، وقيل: هي متعلقة بـ ﴿النَّادِمِينَ﴾ (١)، والوجه هو الأول وعليه الجل؛ لأن الابتداء بكتبنا فيه ما فيه.
ومعنى ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ أي: من جراء ذلك وجريرته، وقيل: من أجل ذلك، أي: من جناية ذلك (٢)، مِن أَجَلَ شَرًّا يَأْجُلُ ويَأْجِلُ أَجْلًا، إذا جَنَاه وهَيَّجَه، كأنك إذا قلت: من أجلك فغلت كذا، أردت من أن جنيتَ فعلهُ وأوجبتَهُ، ويدل عليه قولهم: من جَرَّاكَ فعلته، أي: من أن جَرَرْتَهُ، بمعنى جنيته، ويقال: فعلت ذلك من أَجْلك. ومن إِجْلك بفتح الهمزة وكسرها (٣). وبالكسر قرأ ابن القعقاع (٤).
فإذا خففت الهمزة ألقيت حركتها على النون، وحركت النون إمّا بالفتح وإما بالكسر على اللغتين، وحذفت الهمزة على مذاق العربية (٥). والإِشارة في ﴿ذَلِكَ﴾ إلى القتل المذكور.
﴿أَنَّهُ﴾: موضع أنَّ نصب بـ ﴿كَتَبْنَا﴾، والضمير في ﴿أَنَّهُ﴾ ضمير الشأن والحديث، وقد جوز كسر أنَّ على الاستئناف (٦).
(٢) المعنيان قول واحد لأبي عبيدة في مجاز القرآن ١/ ١٦٢، والطبري ٦/ ٢٠٠.
(٣) كذا في المحتسب ١/ ٢٠٩، والصحاح (أجل).
(٤) يعني (من إِجل ذلك). كذا حكاها الزمخشري ١/ ٣٣٥ عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع.
(٥) قرأ نافع برواية ورش: (مِنَ اجل ذلك). وقرأ أبو جعفر: (مِنِ اجل ذلك) بوصل الهمزة في كليهما. انظر المبسوط/ ١٨٥/. وإعراب القراءات السبع ٢/ ١٤٥، والنشر ٢/ ٢٥٤.
(٦) جوزه النحاس ١/ ٤٩٤، لكنه قال على الحكاية.