وقد ذكر فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا (١).
والجمهور على إثبات الألف بعد السين في ﴿يُسَارِعُونَ﴾، من سارع، وقريء: (يُسرعون) بحذفها (٢)، من أسرع، وكلتاهما متقاربتان في المعنى، يقال: أسرع فيه الشيب، وأسرع فيه الفساد، بمعنَى: وقع فيه سريعًا، فكذلك مسارعتهم أو إسراعهم في الكفر: وقوعهم وتهافتهم فيه [أسرع شيء، إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها، قاله الزمخشري] (٣).
وقوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ (من الذين) في محل النصب على الحال من ﴿الَّذِينَ يُسَارِعُونَ﴾ ﴿آمَنَّا﴾، أو الضمير في ﴿يُسَارِعُونَ﴾، أي: كائنين منهم. و ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿قَالُوا﴾ لا بـ ﴿آمَنَّا﴾ كما زعم بعضهم، و ﴿آمَنَّا﴾ مفعول ﴿قَالُوا﴾، أي: قالوا بأفواههم آمنا، أي: بألسنتهم.
﴿وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾: في موضع الحال.
وقوله: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ يحتمل أن يكون منقطعًا مما قبله خبرًا لـ ﴿سَمَّاعُونَ﴾، أي: ومن اليهود قوم أو فريق سَمَّاعون، وأن يكون عطفًا على قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا﴾، ويرتفع ﴿سَمَّاعُونَ﴾ على خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم سماعون، والضمير على هذا في ﴿سَمَّاعُونَ﴾ للفريقين: المنافقين واليهود، وعلى الأول: لليهود.
و﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنهم مُسْتَمِعُونَ للكذب، أي: يقبلونه، ومنه "سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ، أي: قبل منه حَمْدَهُ، فاللام على هذا التأويل مزيدة.
(٢) نسبها ابن عطية ٥/ ١٠٠ إلى الحر النّحوي، ونسبها أبو حيان ٣/ ٤٨٧ إلى السلمي.
(٣) الكشاف ١/ ٣٣٨. وما بين المعكوفتين ساقط من (د) و (ط).