قوله عز وجل: (ويقولَ الذين آمنوا) قرئ: بالنصب (١) عطفًا على ﴿أَنْ يَأْتِيَ﴾ (٢) حملًا على المعنى لا على اللفظ؛ لأن معنى (عسى الله أن يأتي)، و (عسى أن يأتي الله) واحد، فعطف على المعنى.
ومثله في الحمل على المعنى دون اللفظ قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (٣) على قراءة من قرأ: (وأكنْ) بالجزم (٤)، فعطف (وَأَكُنْ) على معنى (فَأَصَّدَّقَ) لأن معناه الجزم، إذ هو جواب ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي﴾، والمعنى: هذا أخرتني، وهذا للتحضيض فهو بمنزلة الأمر، كأنه قيل: أَخِّرْنِي أصدقْ وأكنْ، فعطف (وأكن) على معناه دون اللفظ.
وإنما لا يجوز أن يكون عطفًا على لفظ (أن يأتي) على ما هي في التلاوة؛ لأن ﴿أَنْ يَأْتِيَ﴾ خبر عسى، والمعطوف عليه في حكمه، فيحتاج إلى ضمير يرجع إلى اسم عسى، ولا ضمير في قوله: (ويقولَ الذين آمنوا) فيصير كقولك: فعسى الله أن يقول الذين آمنوا، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز أن تقول: عسى زيد أن يقوم ويأتيَ عَمرو، إذ لا يجوز عسى زيد أن يأتي عمرو، لعدم الرابط بين الاسم والخبر.
وقيل: هو عطف على لفظ ﴿أَنْ يَأْتِيَ﴾ على ما هي في التلاوة، والراجع من الخبر إلى الاسم مقدر محذوف تقديره: ويقول الذين آمنوا به (٥).

(١) أي بنصب (ويقولَ)، وبها قرأ البصريان فقط من العشرة، وقرأ الباقون بالرفع مع اختلاف في إثبات الواو أو حذفها كما سيأتي. انظر السبعة/ ٢٤٥/، والحجة ٣/ ٢٢٩، والمبسوط / ١٨٦/، والتذكرة ٢/ ٣١٧، والنشر ٢/ ٢٥٤ - ٢٥٥.
(٢) من الآية السابقة.
(٣) سورة المنافقون، الآية: ١٠.
(٤) هذه قراءة الجمهور إلا أبا عمرو فقد قرأ: (فأكونَ) بالواو وفتح النون وسوف أخرجها في موضعها إن شاء الله.
(٥) التبيان ١/ ٤٤٥.


الصفحة التالية
Icon