قوله عز وجل: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ (جعل) هنا بمعنى صير، كقوله: ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (١). و ﴿الْكَعْبَةَ﴾ المفعول الأول، و ﴿قِيَامًا﴾ الثاني. و ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ بدل من ﴿الْكَعْبَةَ﴾، وقيل: عطف بيان لها على جهة المدح والثناء لا على جهة التوضيح والبيان، كما تجيء الصفة كذلك، وهي صفات البارئ جلت قدرته؛ لأن اسمه تعالى غيرُ مشترك.
وقيل: ﴿جَعَلَ﴾ هنا بمعنى خلق، كقوله: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ (٢)، فـ ﴿قِيَامًا﴾ على هذا يكون حالًا من ﴿الْكَعْبَةَ﴾ (٣).
وقرئ: (قِيامًا) بالألف (٤)، وهو مصدر قام، كالصيام في مصدر صام، وأُعِلّ كما أعِلّ فعله.
ومعنى قيامًا للناس: أي سببًا وانتعاشًا لهم. [في أمر دينهم ودنياهم، ونهوضًا إلى أغراضهم ومقاصدهم في معاشهم ومعادهم لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وأنواع منافعهم] (٥).
وقرئ: (قِيَمًا) بغير ألف (٦)، وهو محذوف من قيام، كخِيَمٍ في خيام.
﴿وَالشَّهْرَ﴾ ﴿وَالْهَدْيَ﴾ ﴿وَالْقَلَائِدَ﴾: عطف على الكعبة.
وقوله: ﴿ذَلِكَ﴾ محل (ذلك) الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: الحكم الذي ذكرناه ذلك مِن جعل الكعبة قيامًا للناس، أو ما ذكر من حفظ حرمة الإِحرام بترك الصيد وغيره، أو النصب على إضمار فعل، أي: ذكرنا ذلك، أو بيناه، أو جعلناه كذلك.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١.
(٣) كذا في التبيان ١/ ٤٦٣ أيضًا.
(٤) هذه قراءة جمهور القراء عدا ابن عامر كما سيأتي.
(٥) هذا المعنى لصاحب الكشاف ١/ ٣٦٦، وقد سقط من (د) و (ط).
(٦) قرأ بها ابن عامر وحده. انظرها مع قراءة الباقين: في السبعة / ٢٤٨/، والحجة ٣/ ٢٥٨، والمبسوط / ١٨٨/، والتذكرة ٢/ ٣١٨.