قوله عز وجل: ﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ (حسبنا) رفع بالابتداء، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، يقال: حسبك درهم، أي: كفاك (١).
و﴿مَا وَجَدْنَا﴾: في موضع رفع بحق الخبر، و ﴿مَا﴾ موصولة، وما بعدها صلتها، أو موصوفة وما بعدها صفتها، أي: كافينا الذي وجدنا، أو كافينا شيء وجدنا. و ﴿وَجَدْنَا﴾ يحتمل أن يكون بمعنى علمنا، وأن يكون بمعنى صادفنا، فعلى الوجه الأول: هو المفعول الثاني، وعلى الثاني: متعلق بوجدنا تعلق الجار بالفعل، نحو: ضربت زيدًا بكذا، ولك أن تجعله حالًا من الآباء، أي: صادفنا آباءنا ثابتين عليه.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ (عليكم) هنا اسم من أسماء الفعل، سمي الفعل بالجار ومجروره، كما سمي بالظرف ومخفوضه، وبه انتصب ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾، كما تقول: عليك زيدًا، بمعنى الزم زيدًا، وكذا (عليكم أنفسكم) معناه: الزموا إصلاح أنفسكم.
وعلى النصب الجمهور، وقرئ: (عليكم أنفسُكم) بالرفع (٢) على الابتداء (٣)، أو على الفاعلية فيمن يرى ذلك (٤)، والكاف والميم في (عليكم) في موضع جر؛ لأن اسم الفعل هو (عليكم) بكماله، و (على) وحدها لم تستعمل اسمًا للفعل بخلاف (رويدكم)، فإن الكاف والميم هنا للخطاب

(١) في (ط): كافيك، كأنه حُوّر ليطابق كلام المصنف قبله وما سيأتي بعده من كونه مصدرًا بمعنى اسم الفاعل، وما أثبته من الأصول، وهو تفسير معنى لا تفسير إعراب، وعند ابن عطية ٥/ ٢١٤ مثله، قال: و (حسبنا) معناه: كفانا. وانظر الدر المصون ٤/ ٤٥٠.
(٢) هكذا ذكرها الزمخشري ١/ ٣٦٨ عن نافع. وحكاها أبو حيان ٤/ ٣٧ عن الزمخشري عن نافع.
(٣) فيكون (عليكم) خبره مقدمًا عليه.
(٤) الوجه الثاني عند أبي حيان ٤/ ٣٧: توكيد للضمير المستكن في عليكم.


الصفحة التالية
Icon