وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦)}:
قوله عز وجل: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ (كم) هنا استفهام وموضعه نصب بـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾ إما على أنه مفعول به، و ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ هو المفسر له، وإما على أنه ظرف أو مصدر، و ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ مفعول به لأهلكنا، ويكون المفسِّر محذوفًا وهو الزمان، أو المَرَّةُ، كأنه قيل: كم زمانًا، أو كم حينًا، أو كم مرة أهلكنا فيه قَرنًا. والقرن فيما ذكر أهل اللغة: أهل كل عصر واحدٍ، مأخوذ من اقترانهم في العصر، قال الشاعر:
١٩٤ - إذا ذهب القرنُ الذي أنتَ فيهمِ | وخُلِّفتَ في قَرْنٍ فأنتَ غريبُ (١) |
وقوله: ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ في موضع النعت لـ ﴿قَرْنٍ﴾، وإنما جُمع حملًا على المعنى، إذ المراد بالقرن الجِنْسُ، والجنس: جمع في المعنى.
وقوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ (ما) يحتمل أن يكون موصوفًا، وأن يكون موصولًا، أي: تمكينًا، أو التمكين الذي لم نمكنه لكم، وفي الكلام حذف مضاف وهو الزمان، أي مدة ذلك.
فإن قلت: ما الفرق بين مكّن له في الأرض، وبين مكنه فيها؟ قلت: قيل: مكن له في الأرض، إذا جعل له مكانًا، ومنه قوله: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (٢)، ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ﴾ (٣)، وأما مَكَّنْتُهُ في الأرض: فأثبته فيها،
(١) البيت لأبي محمد عبد اللَّه بن أيوب التيمي، من شعراء الدولة العباسية. وانظره في البيان والتبيين ٣/ ١٩٥، وعيون الأخبار ٢/ ٣٤٧، والأغاني ٢/ ٥٤، والصحاح (قرن). وبهجة المجالس ١/ ٢٢٦.
(٢) سورة الكهف، الآية: ٨٤.
(٣) سورة القصص، الآية: ٥٧.
(٢) سورة الكهف، الآية: ٨٤.
(٣) سورة القصص، الآية: ٥٧.