﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ في موضع نصب بخبر كان، و ﴿أَنْ قَالُوا﴾ في موضع رفع باسمها، ويجوز العكس، والأول أحسن حملًا على ما ورد من نظائره في التنزيل نحو: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ (١)، و ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ (٢).
والنكتة في أن الثاني في نحو هذا واقع موقع الإِيجاب، والأولى واقع موقع النفي، والنفي أحق بالخبر، و ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ نفي، و ﴿إِذْ﴾ ظرف لـ ﴿دَعْوَاهُمْ﴾.
والدعوى: مصدر قولك: دعوت الله له وعليه، دعاء ودعوى، غير أن بينهما فُريقًا، وذلك أن في الدعوى اشتراكًا بين الدعاء والادعاء، كادعاء المال وغيره، وأصله الطلب، ويقال: اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين ودعواهم، حكاه صاحب الكتاب رحمه الله (٣) وأنشد:
٢١٩ - *وَلَّتْ ودَعْواها كَثيرٌ صَخَبُهْ (٤) *
أي: ودعاؤها. والصخب: الصياح والجلبة.
واختُلف فيه هنا على وجهين:
أحدهما: بمعنى الدعاء، أي: فما كان دعاءهم ربَّهم إلّا اعترافهم، لعلمهم أن الدعاء لا ينفعهم.
والثاني: أنه اسم لما كانوا يدّعونه من دينهم، وينتحلونه من مذهبهم،
(٢) سورة الجاثية، الآية: ٢٥.
(٣) الكتاب ٤/ ٤١.
(٤) رجز لبشير بن النكث. وهو من شواهد سيبويه ٤/ ٤١. والزجاج ٢/ ٣١٩. والمخصص ١٣/ ٨٨.