وقد جوز أن تكون موصولة (١)، بمعنى: أو لم يتفكروا في ما بصاحبهم من الجنون على زعمهم مع استقامة ما يصدر منه، فيعلمون بطلان ما يصدر منهم ويفوهون به، وهو قولهم: شاعر مجنون، ومنه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ (٢).
﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)﴾:
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ﴾ (ما) موصولة في موضع جر عطفًا على ﴿مَلَكُوتِ﴾، أي: وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء. ﴿وَأَنْ عَسَى﴾ أن: في موضع جر أيضًا عطفًا على ﴿مَلَكُوتِ﴾، وأن مخففة من الثقيلة، والأصل: وأنه عسى، على أن الضمير ضمير الشأن والحديث، أي: أولم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، و ﴿أَنْ يَكُونَ﴾ في موضع رفع بـ ﴿عَسَى﴾، واسم يكون مضمر فيها، وهو ضمير الشأن والحديث.
و﴿قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾: الجملة في موضع نصب بخبر ﴿يَكُونَ﴾، وهي مفسرة للضمير، والمعنى: ولعلهم يموتون عما قريب وهم يسوّفون بالتوبة.
وقوله: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ الباء من صلة يؤمنون، والضمير في ﴿بَعْدَهُ﴾ للقرآن، أي: بأي كتاب بعد هذا الكتاب يصدقون؟ وقيل: لرسول الله - ﷺ - (٣)
﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦)﴾:
(٢) سورة الحجر، الآية: ٦.
(٣) قاله الطبري ٩/ ١٣٦. واقتصر الزمخشري ٢/ ١٠٦. والبغوي ٢/ ٢١٩. وابن الجوزي ٣/ ٢٩٦ على الأول. قلت: ولا فرق، لأن القرآن جاء به النبي - ﷺ - من عند ربه، وذكر القرطبي ٧/ ٣٣٤ قولًا آخر هو أن الهاء للأجل.