واللفظ أفاد معنى الحال؛ لأنهم إذا حزبهم أمر دَعَوا الله دون أصنامهم، بشهادة قوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ (١) وكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم، فقيل: إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم (٢).
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٩٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ نهاية صلة ﴿الَّذِينَ﴾: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ والراجع محذوف، أي: تدعونهم، أي: تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله.
و﴿عِبَادٌ﴾ خبر إنّ، و ﴿أَمْثَالُكُمْ﴾ نعت له، والمعنى: إن الذين تدعون من دون الله مخلوقون كما أنتم مخلوقون، فسماهم عبادًا على تشبيههم في خلقهم بالناس.
وقيل: قوله: ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ استهزاء بهم، أي: قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء، فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم، ثم أبطل أن يكونوا عبادًا أمثالهم فقال: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾ (٣).
وقرئ: (إنِ) بالتخفيف و (عبادًا أمثالَكم) بالنصب (٤)، على أن (إن) هذه بمنزلة (ما) على اللغة الحجازية، و (الذين) اسمها، و (عبادًا) خبرها، و (أمثالكم) نعت له.

(١) سورة الروم، الآية: ٣٣.
(٢) الكشاف ٢/ ١١٠.
(٣) من الآية التالية، وانظر هذا القول في الكشاف ٢/ ١١٠.
(٤) وتكسر النون من (إنِ) لالتقاء الساكنين. ونسبت هذه القراءة إلى سعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللهُ -. انظر إعراب النحاس ١/ ٦٥٧. والمحتسب ١/ ٢٧٠. والكشاف ٢/ ١١٠. والمحرر الوجيز ٧/ ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon