وقال الفراء: لما تقدم الجحد في أول الكلام أكَّد بهذا (١).
والوجه هو الأول وعليه الأكابر، لسلامته من هذه التقديرات والتأويلات مع صحته من جهة المعنى، وحسبك قوله سبحانه في سورة "ص": ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، والقصة واحدة وقد ذكر آنفًا.
و﴿إِذْ﴾: ظرف لـ ﴿تَسْجُدَ﴾.
وقوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾ (مِن) تحتمل أن تكون لابتداء الغاية متعلقة بـ ﴿خَلَقْتَنِي﴾، وأن تكون للبيان في موضع الحال، فتكون متعلقة بمحذوف، أي: كائنًا منها، ومثله ﴿مِنْ طِينٍ﴾.
قيل: فإن قيل: كيف يكون قوله: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ جوابًا لما منعك، وإنما هو جواب أيكما خير، وإنما الجواب أن يقول: منعني كذا وكذا؟
فالجواب: أنه استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم وبِعِلّة فضله عليه، وهو أن أصله من نار، وأصل آدم من طين، فعلم منها الجواب وزيادة عليه وهو إنكار الأمر، واستبعاد أن يكون مثله مأمورًا بالسجود لمثله، كأنه يقول: من كان على هذه الصفة كان مستبعدًا أن يؤمر بما أُمِر (٢) به.
قال أبو إسحاق: ومثل هذا في الجواب أن تقول للرجل: كيف كنت؟ فيقول: أنا صالح، وإنما الجواب: كنت صالحًا، ولكن في المعنى أنه قد أصابه بما احتاج إليه وزاد أنه في حال مسألته إياه صالح، انتهى كلامة (٣).
﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)﴾:
(٢) الكلام هنا لصاحب الكشاف ٢/ ٥٤.
(٣) معاني الزجاج ٢/ ٣٢٣.