﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ الجمهور على رفع الصلاة ونصب (مكاء وتصدية)، وهو الوجه.
وقرئ بالعكس (١) على تقديم خبر كان على اسمه، وهذه القراءة ضعيفة (٢)؛ لأنه جعل اسم كان نكرة وخبرها معرفة وهو قليل شاذ، وأكثر ما يأتي ذلك في النظم دون النثر.
ووجه هذه القراءة مع ضعفها: أن المكاء والتصدية جنسان؛ لأنهما مصدران، والمصدر جنس ونكرة الجنس تفيد ما تفيده معرفتها، ألا ترى أن قولك: خرجت فإذا أسدٌ بالباب، تجد معناه معنى قولك: خرجت فإذا الأسد بالباب، لا فرق بينهما، لأنك في الموضعين لا تريد أسدًا بعينه إنما تريد واحدًا من الجنس، وكذلك هنا لا فرق بين قولك: وما كان صلاتهم عند البيت إلَّا مكاء وتصدية، وإلَّا المكاء والتصدية، بمعنى إلّا هذا الجنس من الفعل، وإذا كان كذلك لم يجر هذا مجرى قولك: كأنَّ أخاك قائم، وكأنَّ زيدًا منطلق، وإلى هذا ذهب بعضهم في قول حسان - رضي الله عنه -:

٢٤٧ - كأن سَبِيئَةً من بَيْتِ رَأْسٍ يكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وماءُ (٣)
(١) يعني (وما كان صلاتَهم إلا مكاءٌ وتصديةٌ) وهي رواية عن عاصم، والأعمش عنه بخلاف. انظر السبعة ٣٠٥ - ٣٠٦. والحجة ٤/ ١٤٤.
(٢) بإجماع النحاة، وهي خلاف قراءة الجمهور. وجعلها أبو الفتح ١/ ٢٧٨ من الشواذ.
(٣) من قصيدة في مدح النبي - ﷺ - وهجاء أبي سفيان ابن الحارث قبل إسلامه - رضي الله عنه - وهي في أول الديوان. والبيت من شواهد سيبويه ١/ ٤٩. ومعاني الفراء ٣/ ٢١٥. والمقتضب ٤/ ٩٢. والكامل ١/ ١٦٤. وإعراب النحاس ١/ ٦٧٦. والأصول لابن السراج ١/ ٨٣. والجمل للزجاجي/ ٤٦/. والمحتسب ١/ ٢٧٩. والصحاح (سبأ). والمقتصد ١/ ٤٠٤. والإفصاح/ ٦٢/. والمحرر الوجيز ٨/ ٥٦. والسبيئة: الخمر. ويروى: خبيئة. و: سلافة. وبيت رأس: موضع بالشام. وخبر (كأن) في البيت الذي بعده.


الصفحة التالية
Icon