الذي في الظرف على الوجه الأول، وهو أن يكون ﴿مِنَ اللَّهِ﴾، صفة لكتاب، وقد معه مرادة.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون ﴿سَبَقَ﴾ خبر المبتدأ الذي هو كتاب؟ قلت: لا، لأن الاسم المبتدأ الواقع بعد لولا التي معناها امتناع الشيء لوجود غيره لا يظهر خبره رأسًا لأجل طُولِ الكلام بالجواب، ولأن الحال تدل عليه.
ومعنى سبق: أي سبق إثباته في اللوح، وهو أنه لا يعذِّب أحدًا بخطأ إلَّا بعد البيان ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (١). وكان هذا خطأ في الاجتهاد.
وقوله: ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ جواب لولا، ومعنى ﴿فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾: يعني من الأسرى والغنائم؛ لأنهم أخذوه قبل أن يؤذن لهم في أخذه، وقد كان سبق في علم الله أنه سيحله لهم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (٢).
﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ دخلت الفاء على تقدير: قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم.
و﴿حَلَالًا﴾: منصوب إما على الحال من المغنوم، أو على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: أكلًا حلالًا، وقد ذكر في "البقرة" (٣)، وسمي طيبًا؛ لأن كل حلال طيب.
﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠)﴾:
وقد مضى الكلام على أسرى وأسارى في "البقرة" (٤).
(٢) أخرجه الطبري ١٠/ ٤٥ عن ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم -.
(٣) حيث تكررت العبارة في الآية (١٦٨) منها.
(٤) انظر إعرابه للآية (٨٥) منها. وهما قراءتان صحيحتان هنا وهناك.