والضمير في ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ ﴿وَيُحَرِّمُونَهُ﴾ للنسيء أيضًا. والمعنى: أنهم إذا أحلُّوا شهرًا من الأشهر الحرم عامًا رجعوا فحرّموه في العام القابل.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾ الأصل (تثاقلتم) وبه قرأ الأعمش (١)، فأدغمت التاء في الثاء بعد القلب للقرب في المخرج، ودخلت ألف الوصل للابتداء لمَّا سكن الحرف للإِدغام، وقد ذكر نظيره فيما سلف من الكتاب (٢)، وعُدّي بإلى لكونه ضُمّن معنى الميل والإِخلاد، وهو العامل في ﴿إِذَا﴾، ولفظه ماض ومعناه المستقبل، ومحله النصب على الحال، أي: ما لكم تتثاقلون، أي: ما لكم متثاقلين إذا قيل لكم: انفروا في سبيل الله.
وقرئ: (أَثَّاقلتم) (٣) على الاستفهام الذي معناه الإِنكار والتوبيخ، والعامل في ﴿إِذَا﴾ على هذه القراءة ما دل عليه، أو ما في ﴿مَا لَكُمْ﴾ من معنى الفعل، كأنه قيل: ما تصنعون إذا قيل لكم؟ كما تُعْمِلُهُ في الحال إذا قلت: ما لك قائمًا، ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ (٤)، ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩)﴾ (٥).
وقوله: ﴿مِنَ الْآخِرَةِ﴾ في موضع الحال، أي: بدلًا أو عِوضًا من الآخرة.
(٢) عند قوله تعالى: ﴿ادَّارَأْتُمْ﴾. من البقرة (٧٢). وقوله: ﴿ادَّارَكُوا﴾ من الأعراف (٣٨).
(٣) نسبها ابن خالويه في شواذه/ ٥٣/ إلى أبي عمرو. وذكرها الزمخشري ٢/ ١٥٢. وأبو حيان ٥/ ٤١ دون نسبة.
(٤) سورة النساء، الآية: ٨٨.
(٥) سورة المدثر، الآية: ٤٩.