ويحتمل أن يكون من صلة ﴿تَفِيضُ﴾ فتكون ﴿مِنْ﴾ على هذا لابتداء الغاية، بمعنى فيضها من كثرة، وعلى الأول للبيان.
وقوله: ﴿حَزَنًا﴾ مصدر في موضع الحال من المستكن في ﴿تَفِيضُ﴾ أي: تفيض حزينة، أو مفعولٌ له، أي: تفيض من أجل الحزن، أو منصوب على المصدر بفعل دل عليه ما قبله وهو اختيار الزمخشري؛ لأنه قال: ﴿أَلَّا يَجِدُوا﴾ لئلا يجدوا، ومحله نصب على أنَّه مفعول له، وناصبه المفعول له الذي هو ﴿حَزَنًا﴾ ولم يذكر غير هذا (١).
وقيل: هو تمييز بمعنى: تسيل من الدمع من حزن في قلوبهم (٢).
فإن قلت: لَمْ أفرد الخبر وهو ﴿تَفِيضُ﴾، والمخبر عنه جمع؟ قلت: قيل: لأنَّ الفيض في الحقيقة ليس للأعين، وإنما هو للدمع، والتقدير: وأعينهم يفيض دمعها، ثم حول الفيض إلى الأعين وجعلت كأن كلها دمع فائض، وترك الفعل موحَّدًا تنبيهًا على ذلك (٣).
فإن قلت: هل يجوز أن يكون قوله: ﴿أَلَّا يَجِدُوا﴾ من صلة ﴿تَفِيضُ﴾؟ قلت: نعم ويحسن ذلك، بمعنى يبكون لعدم وجدانهم النفقة، والأول أحسن للقرب.
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٩٣)﴾:

(١) الكشاف ٢/ ١٦٧. والعبارة صريحة بأن الزمخشري أعرب (حزنًا) مفعولًا لأجله، وعلى كلّ حال فإعرابه مصدرًا هو قول النحاس ٢/ ٣٥. وابن عطية ٨/ ٢٥٣. وأبي البقاء ٢/ ٦٥٥.
(٢) لَمْ أجد من قال بهذا الوجه.
(٣) ألمح الزمخشري ٢/ ١٦٧ بهذا القول، وحكاه عنه الرازي ١٦/ ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon