وقيل: وجعل ما في الأرض مُنزلًا من السماء؛ لأنه قضى ثَمَّ وكتب (١)، ومنه: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ (٢)، ولأن أصل الجميع من الماء وهو ينزل من السماء.
وقوله: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ قرئ: بالنصب عطفًا على ﴿لِبَاسًا﴾ و ﴿وَرِيشًا﴾، أي: وأنزلنا عليكم لباس التقوى. وقرئ: بالرفع (٣) على الابتداء والقطع مما قبله، وخبره: إما الجملة التي هي ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾، كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير؛ لأن أسماء الإِشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر. وإما المفرد الذي هو ﴿خَيْرٌ﴾، و ﴿ذَلِكَ﴾ صفة له، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب إلى الله مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمل به، أو بدل منه، أو عطف بيان له.
وإذا كان ﴿ذَلِكَ﴾ يحتمل أحد هذه الأوجه، فلا وجه لقول من جعله فصلًا إجراء له مجرى أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة، وهو الرماني (٤).
وقيل: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو لباس التقوى، أي: وستر العورة لباس التقوى، ثم قيل: ذلك خير، وفي الكلام حذف مضاف، أي: ولباس أهل التقوى (٥).
وقيل: ليس في الكلام حذف مضاف، وإنما المعنى: ولباس الإتقاء
(٢) سورة الزمر، الآية: ٦.
(٣) القراءتان من المتواتر، فقد قرأ بالنصب: المدنيان، وابن عامر، والكسائي. وقرأ الباقون بالرفع. انظر السبعة / ٢٨٠/. والحجة ٤/ ١٢. والمبسوط / ٢٠٨/. والنشر، ٢/ ٢٦٨.
(٤) ذكره السمين ٥/ ٢٨٨، عن الحوفي، وقال: ولا أعلم أحدًا من النحاة أجاز ذلك. وأنكره قبله أبو علي في الحجة ٤/ ١٢ وعبارته: ومن قال إن (ذلك) لغو لم يكن على قوله دلالة.
(٥) انظر هذا الوجه في إعراب النحاس ١/ ٦٠٦. ومشكل مكي ١/ ٣٠٩.