هنا وشبهه مما ذكر معه المفعول نحو: ﴿مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ (١)، لأجل أن ذكر المفعول معه يوجب تسمية الفاعل.
وقوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف، أي: تعودون عودًا مثل بدئكم، والمعنى: كما أنشأكم ابتداءً يعيدكم، ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ (٢) فاحتج عليهم في إنكارهم الإِعادة بابتداء الخلق، إذ ليست الإِعادة بأصعب من الابتداء.
﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ ﴿فَرِيقًا﴾ الأول منصوب بـ ﴿هَدَى﴾، وأما الثاني فبفعل يفسره ما بعده وهو ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾، كأنه قيل: وأضل فريقًا، لِيُعْطَفَ فعلٌ على فعل، ومحل الجملتين النصب على الحال من الضمير في ﴿تَعُودُونَ﴾ (٣) وقد مع الفعل مرادة، كأنه قيل: قد هدى فريقًا وأضل فريقًا. وقيل: إن ﴿فَرِيقًا﴾ في الموضعين نصبهما على الحال من الضمير في ﴿تَعُودُونَ﴾، و ﴿هَدَى﴾ نعت للأول، ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ للثاني، كأنه قيل: تعودون فريقين: فريقًا هاديًا، وفريقًا واجبًا عليهم الضلالة (٤).
وعن الكسائي أنه قال: هكذا في قراءة أُبيّ - رضي الله عنه - (تعودون فريقين فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) (٥).

(١) سورة الزمر، الآية: ١٤.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٤.
(٣) من الآية السابقة.
(٤) انظر هذا الوجه في إعراب النحاس ١/ ٦٨. ومشكل مكي ١/ ٣١١. والتبيان ١/ ٥٦٤.
(٥) حكاه النحاس في الموضع السابق عن الكسائي. وانظر قراءة أُبي - رضي الله عنه - في معاني الفراء ١/ ٣٧٦. والمحرر الوجيز ٧/ ٤٤. بالإضافة إلى المشكل والتبيان في الموضعين السابقين.


الصفحة التالية
Icon