وهو مفعول ثان لـ ﴿أُغْشِيَتْ﴾. و ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾: صفة لقطع. و ﴿مُظْلِمًا﴾: حال من الليل، والعامل في الحال أحد الشيئين:
إمَّا ﴿أُغْشِيَتْ﴾؛ لأن قوله: ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾ صفة لقوله: ﴿قِطَعًا﴾، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف عند صاحب الكتاب رحمه الله (١). فإذا قلت: مررت بزيد الظريف، كان جر الظريف عنده بالباء، وإذا كان كذلك، كان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة.
وإما ما يتعلق به ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾ وهو الفعل المختزل، والمعنى: كأن وجوههم أُلبست أجزاء من الليل في حال ظلمته، أي: كأنما ألبست سوادًا بعد سواد، وهذه صفة أهل النار، نعوذ بالله منها.
وقد جوز أن يكون حالًا من قوله: ﴿قِطَعًا﴾، وأن يكون صفة له، وكان القياس على هذين التأويلين أن يقال: مُظلِمةً، وإنما ذُكّر على تأويل الجمع، أو لأن المراد بقطع الليل: الليل.
وقرئ: (قِطْعًا) بإسكان الطاء (٢)، كقوله: ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ (٣)، وفيه وجهان:
أحدهما: - وهو الوجه وعليه الجل - أن يكون مفردًا، فيكون (مظلمًا) صفة له، تعضده قراءة من قرأ: (كأنهما يغشى وجوههم قطعٌ من الليل مظلمٌ) وهو أُبي بن كعب - رضي الله عنه - (٤)، أو حالًا منه، لكونه قد وصف بقوله: مِنَ اللَّيْلِ}، والعامل فيها ﴿أُغْشِيَتْ﴾، أو من المنوي في قوله: ﴿مِنَ اللَّيْلِ﴾

(١) انظر الكتاب ١/ ٤٢١.
(٢) قرأها ابن كثير، والكسائي، ويعقوب. والجمهور على فتحها كما تقدم. انظر السبعة/ ٣٢٥/. والحجة ٤/ ٢٦٨. والمبسوط/ ٢٣٣/. والتذكرة ٢/ ٣٦٤.
(٣) سورة هود، الآية: ٨١.
(٤) انظر قراءته - رضي الله عنه - في معاني الفراء ١/ ٤٦٢. وجامع البيان ١١/ ١١٠. والكشاف ٢/ ١٨٨. والمحرر الوجيز ٩/ ٣٥.


الصفحة التالية
Icon