﴿فَلْيَفْرَحُوا﴾، والثانية به، كأنه قيل: بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك فليفرحوا، والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه (١).
والجمهور على الياء في قوله: ﴿فَلْيَفْرَحُوا﴾ النقط من تحته؛ لأنه أمر للغائب، واللام إنَّما تدخل على فعل الغائب في الأمر العام؛ لأن المواجه استغنى فيه عن اللام بقولهم: افعل، وهو رجوع من الخطاب، وهو قوله: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ﴾ (٢) إلى الغيبة، أو ردٌّ إلى قوله: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (٣).
وقرئ: (فلتفرحوا) بالتاء النقط من فوقه (٤) لأجل الخطاب الذي قبله وهو الأصل والقياس، وهي قراءة رسول الله - ﷺ - فيما روي، وعثمان بن عفان، وأبيّ بن كعب وغيرهما رضوان الله عليهم أجمعين (٥).
وذلك أن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر وهو اللام، فأصل اضرب لتضرب، وأصل قُم لتقُم، كما تقول للغائب: ليقم زيد، ولتضرب دَعْدٌ، لكن لما كَثُرَ أمرُ الحاضر نحو: قم واقعد حذفوا حرف المضارعة تخفيفًا، ودل حاضر الحال على أن المأمور هو الحاضر المخاطب، فلمَّا حذفوا حرف المضارعة، بقي ما بعده ساكنًا في أكثر المواطن، فاحتيج إلى همزة الوصل

(١) الكشاف ٢/ ١٩٤.
(٢) من الآية السابقة.
(٣) من الآية السابقة أيضًا.
(٤) قرأها يعقوب برواية رويس وحده. انظر المبسوط/ ٢٣٤/. والتذكرة ٢/ ٣٦٥. وفي الكشف ١/ ٥٢٠ هي رواية عن ابن عامر وغيره.
(٥) انظر معاني الفراء ١/ ٤٦٩. وجامع البيان ١١/ ١٢٦. وإعراب النحاس ٢/ ٦٥. والمبسوط الموضع السابق. والمحتسب ١/ ٣١٣. وأخرج أبو داود (٣٩٨١) في الحروف والقراءات من حديث أبي - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قرأ: (قل بفضل الله ورحمته فبذلك فلتفرحوا) بالتاء. كما أخرجه موقوفًا (٣٩٨٠) وحسنه ابن الجزري في النشر ٢/ ٢٨٥.


الصفحة التالية
Icon