قلت: لأن الأول فعل متقدم على الفاعل خال عن الذكر، والثاني متأخر عنه فيه ذكر، والفاعل جمع، فاعرفه وقس عليه ما يَرِدُ عليك في الكتاب العزيز.
﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿مَا يَحْبِسُهُ﴾ ما: استفهام في موضع رفع بالابتداء و (يحبسه) الخبر، يعني: أي شيء يحبس العذاب عنا؛ أي: يمنعه من النزول، استعجالًا له على وجه التكذيب والاستهزاء.
وقوله: ﴿أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ يوم: منصوب بخبر (ليس) وهو (مصروفًا) وظرف له، وهذا يعضد قول من جوز تقديم خبر ليس على ليس، وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها، كان ذلك دليلًا على جواز تقديم خبرها، إذ المعمول تابع للعامل، فلا يقع إِلّا حيث يقع، وقد مضى الكلام على هذا في البقرة عند قوله: ﴿بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ بأشبع من هذا (١)، واسم ليس مضمر فيها، والمعنى ليس العذاب مصروفًا عنهم في ذلك اليوم.
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ الإنسان للجنس، بشهادة قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ﴾ (٢) على قول من جعلها متصلًا، والمستثنى منه الإنسان (٣)، ومن قال: المراد بالإنسان الوليد بن المغيرة، كان الاستثناء عنده
(٢) من الآية (١١) الآتية.
(٣) كون الاستثناء متصلًا هو قول الفراء ٢/ ٤ - ٥. وإليه ذهب الطبري ١٢/ ٨. واختاره ابن عطية ٩/ ١١٣.