وقوله: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾: قرئ: (بادئ) بهمزة بعد الدال (١)، وهو من بدأ يبدأ بدءًا فهو بادئ، إذا ابتدأ في الشيء وفَعَلَه أولًا.
وقرئ: (بادىَ) بياء مفتوحة بعد الدال (٢)، وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون من بدأ، وخففت الهمزة على مذاق العربية.
والثاني: أن يكون من بدا يبدو فهو بادٍ، إذا ظهر.
وانتصابه أو انتصابهما على الظرف لأن (في) مقدرةٌ فيهما.
وجاز أن يأتي الظرف على فاعل، كما أتى على فَعيل نحو: قريب وبعيد، لأن فاعلًا وفعيلًا يتعاقبان كثيرًا، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، وراحم ورحيم وما أشبه ذلك.
والعامل في هذا الظرف أحد الشيئين:
إمَّا ﴿اتَّبَعَكَ﴾، أي: اتبعك الأراذل في أول رأيهم، أو فيما ظهر منه، بمعنى: أن اتباعهم لك إنَّما هو شيء عَنَّ لهم بديهة من غير رويَّة ونظر.
وإما ﴿نَرَاكَ﴾، أي: ما نراك في أول رأينا - أو فيما ظهر منه - اتبعك إلّا أراذلنا، ثم أخر الظرف وأوقع بعد إلّا.
ولو كان بدل الظرف غيره من المفاعيل لم يجز بإجماعٍ من النحاة، كقولك: ما أعطيت أحدًا إلّا زيدًا دينارًا؛ لأن الفعل أو معنى الفعل في الاستثناء لا يصل بإلّا إلى مفعولين، وإنما يصل إلى مفعول واحد كغيره من الحروف، نحو: الباء في مررت بزيد، والواو في باب المفعول معه، ألا ترى أنك لو قلت: مررت بزيد عمرو، فتوصل الفعل إليهما بحرف واحد لم يجز، وكذلك لو قلت: استوى الماء والخشبة الحائط، فتنصبهما بواو
(٢) بدون همز قرأها الباقون من العشرة. انظر السبعة/ ٣٣٢/. والحجة ٤/ ٣١٦ - ٣١٧. والمبسوط/ ٢٣٨/. والتذكرة ٢/ ٣٧٠.