فموضع ﴿مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ نصب على الظرف على الوجه الأول، وعاملهما ما في ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ من معنى الفعل، وقد ذكر آنفًا، وعلى الوجه الثاني: موضعهما رفع إمّا بالابتداء، أو بالظرف.
والمُجرى والمُرسى - بضم الميم فيهما - من أجرى وأرسى، وقرئ أيضًا: بالفتح فيهما (١) من جرى ورسا، وهما أيضًا يصلحان أن يكونا مصدرين، وأن يكونا وقتين، وأن يكونا مكانين، والتقدير فيهن على ما ذكر قبيل.
وقرئ: (مُجرِيها ومُرسِيها) بضم الميم فيهما وكسر الراء والسين مع ياء بعدهما (٢)، وهما اسما الفاعلين من أجرى وأرسى. ومحلهما إما الجر على النعت لاسم الله سبحانه وتعالى، أو الرفع على إضمار مبتدأ، أي: هو مجريها ومرسيها.
وأجاز أبو إسحاق: (مجريَها ومرسيَها) منصوبين إمَّا على الحال من اسم الله تعالى بمعنى التقدير، كقوله: ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ (٣)، أي: اركبوا فيها مسمين الله مجريًا لها ومرسيًا لها، كقولك: مررت بزيد ضاربها، أو على المدح، ولا ينبغي لأحد أن يقرأ به؛ لأنه لم يثبت به رواية، والقراءة سُنَّةٌ متبعة يأخذها الخلف عن السلف، رحمة الله عليهم أجمعين (٤).
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي
(٢) نسبت إلى مجاهد، وعاصم الجحدري، وأبي رجاء العطاردي. انظر معاني الفراء ٢/ ١٤. ومعاني النحاس ٣/ ٣٥٠. وإعراب ثلاثين سورة/ ١٤/. ومشكل مكي ١/ ٤٠٣. وهي منسوبة أيضًا إلى كثيرين غير هؤلاء، انظر المحرر الوجيز ٩/ ١٥٣. وزاد المسير ٤/ ١٠٨.
(٣) سورة الزمر، الآية: ٧٣.
(٤) انظر ما أجازه أبو إسحاق مع هذا التعليق في معانيه ٣/ ٥٢ - ٥٣.