وقرئ أيضًا: (مِنْ قُبْلٍ) و (من دُبْر) بإسكان العين فيهما تخفيفًا (١).
وقيل: وإنما جاز الجمع بين ﴿إِنْ﴾ الذي هو علم للاستقبال، وبين ﴿كَانَ﴾: الذي هو عَلَمٌ للمضي حملًا على المعنى، لأن المعنى: إن يكن، أي: إن يعلم فالعلم لم يقع بعد، وكذا الكون لا يكون لأنه مُؤَدٍ عن العلم (٢).
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾ محل ﴿قُدَّ مِنْ دُبُرٍ﴾ النصب على الحال من القميص، أي: فلما رآه مقدودًا من خلف.
وقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ إنَّ قولَكِ: ما جزاء من أراد بأهلكَ سوءًا، أو: إن هذا الأمر - وهو طمعها في يوسف - ﴿مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾ من حيلتكن، والخطاب لها ولأَمتِها (٣). وقوله: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ أي: يا يوسف، قيل: وحذف منه حرف النداء، لأنه منادى قريب مفاطن للحديث، وفيه تقريب له وتلطيف لمحله (٤). ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ الأمر الذي جرى واكتمه ولا تحدث به. ﴿وَاسْتَغْفِرِي﴾: أنت لذنبك ﴿لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾: الخِطْء بكسر الخاء وسكون الطاء: الذنب على عمد، والفعل منه خطئ فهو خاطئ، وإنما قال: ﴿مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ بلفظ التذكير: تغليبًا للذكور على الإناث.
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠)﴾:
(٢) انظر معاني الزجاج ٣/ ١٠٤.
(٣) كذا أيضًا في الكشاف ٢/ ٢٥٢. وقال أبو حيان ٥/ ٢٩٨: لها ولجواريها، أو لها وللنساء. قلت: الجمهور على أن الخطاب للنساء. وقال الألوسي ١٢/ ٢٢٤: وكونه لها ولجواريها كما قيل ليس بذاك، وتعميم الخطاب للتنجيه على أن الكيد خُلُقٌ لهن عريق.
(٤) قاله الزمخشري ٢/ ٢٥٢.