وقراءة من قرأ: (حَاشًا لله) بالتنوين، وهو أبو السَّمَّال (١)، قيل: وإنما جاز فيه (حاشا لله) ألا ينون بعد إجرائه مجرى براءة الله مراعاة لأصله الذي هو الحرفية، ألا ترى إلى قولهم: (جلست مِن عن يمينه)، كيف تركوا (عن) غير معرب على أصله، و (على) في قوله: (عذت مِن عليه) منقلب الألف إلى الياء مع الضمير.
وقرئ أيضًا: (حاشْ للهِ) بإسكان الشين (٢) على أن الفتحة أتبعت الألف في الإسقاط، وذلك أنه لما حذفت الألف تخفيفًا أتبعت حذف الفتحة إذ كان كالعوض اللاحق مع الألف، فصارت كالتكرير في الراء، والتفشي في الشين، وإذا حذفت الراء والشين ذهب معهما ما يصحبهما من التكرر والتفشي فاعرفه، فإنه من كلام أبي الفتح (٣).
وقوله: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ الجمهور على إعمال (ما) وهو لغة أهل الحجاز. وأما بنو تميم، فيقرؤون: (ما هذا بشرٌ) بالرفع إلا من عرف الرسم منهم، كذا ذكر عنهم صاحب الكتاب - رحمه الله - تعالى (٤)، وبالرفع قرأ بعض القراء (٥)، وليس بالمتين لأجل مخالفة "الإمام" مصحف عثمان - رضي الله عنه -.
وقرئ: (ما هذا بِشِرًى) بكسر الباء والشين (٦)، وهو مصدر قولك:
(٢) نسبت إلى الحسن بخلاف، انظر المحتسب والمحرر الوجيز في الموضعين السابقين.
(٣) المحتسب ١/ ٣٤١.
(٤) كتاب سيبويه ١/ ٥٩.
(٥) نسبها الزمخشري ٢/ ٢٥٤. والآلوسي ١٢/ ٢٣٢ إلى ابن مسعود - رضي الله عنه -. بينما نسبها ابن الجوزي في الزاد ٤/ ٢١٩ إلى أبي المتوكل، وأبي نهيدة، وعكرمة، ومعاذ القارئ في آخرين، وجعل قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - هكذا (بشراءٍ) بالمد والهمز مخفوضًا منونًا. والعجيب من ابن عطية ٩/ ٢٩٣ أنه قال: لم يقرأ به أحد.
(٦) هذه قراءة أبي الحويرث الحنفي كما في معاني الفراء ٢/ ٤٤. وجامع البيان ١٢/ ٢٠٩. وقرأها الحسن أيضًا كما في المحتسب ١/ ٣٤٢. وروح المعاني ١٢/ ٢٣٢. ونسبها ابن الجوزي في الموضع السابق إلى أبي بن كعب رضي الله عنه، وأبي الجوزاء، وأبي السوار.