وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي: المجاوزين ما أُمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره (١).
﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾:
قوله - عز وجل -: ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ مصدران أيضًا في موضع الحال، أي: ذوي خوف وطمع، أو: خائفين عذابه وطامعين في رحمته، ولك أن تجعل الجميع مفعولًا له.
وقوله: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾: إنما ذُكِّر ﴿قَرِيبٌ﴾ حملًا على المعنى لأنَّ الرحمة والغفران والعفو بمعنًى، أو لأنَّ تأنيث الرحمة غير حقيقي، وكلاهما قول أبي إسحاق (٢).
وقيل: لأنَّ المراد بالرحمة هنا المطر (٣).
وقيل: ليفصل بين القريب من القرب، وبين القريب من القرابة التي من النسب (٤). قال أبو إسحاق: وهذا غلط؛ لأنَّ سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما في مكان كان القرب أو في نسب (٥).
وقيل: على النسب، كأنه قال: إن رحمة الله ذات قرب، كما يقال:

(١) هذا المعنى أخرجه الطبري ٨/ ٢٠٧ عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. وذكر عن ابن جريج أنَّه قال: إن من الدعاء اعتداء، يكره رفع الصوت، والنداء، والصياح بالدعاء. وذكر النحاس في معانيه ٣/ ٤٣ عن قتادة قال: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي: فلا تعتدوا في الدعاء.
(٢) في معانيه ٢/ ٣٤٤.
(٣) قاله الأخفش ١/ ٣٢٧. وحكاه الزجاج ٢/ ٣٤٤. والنحاس في الإعراب ١/ ٦١٩ عنه. وانظر جامع البيان ٨/ ٢٠٨.
(٤) هذا قول الفراء ١/ ٣٨٠. وذكره الزجاج ٢/ ٣٤٥ عن بعضهم. وحكاه النحاس في الإعراب ١/ ٦١٨ عن الفراء.
(٥) انظر معاني أبي إسحاق الزجاج ٢/ ٣٤٥. وحكاه عنه النحاس في الموضع السابق.


الصفحة التالية
Icon