﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ﴾ موضع ﴿أَنَّ﴾ رفع بما تضمن ﴿لَا جَرَمَ﴾ من معنى المصدر، والمصدر: متضمن لمعنى الفعل، حقَّ حقًا أن الله يعلم سرهم وعلانيتهم.
وقال أبو إسحاق: ﴿لَا﴾ ردٌّ لكلام سابق، و ﴿جَرَمَ﴾ فعل ماض بمعنى وَجَب (١). والمعنى: لا كما زَعَمَ الكفار، ثم ابتدأ فقال: جرم أن الله، أي: وجب علمه بما يُسِرُّونه وما يعلنونه من كفرهم فيجازيهم عليه.
أو في موضع نصب على تضمين ﴿جَرَمَ﴾ معنى كسب، أي كسب فعلهم أو كفرهم، أي: لهم النار (٢)، وقد مضى الكلام عليه فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا (٣).
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ (مَا) مرفوع بالابتداء، و (ذا) بمعنى (الذي) وهو خبر (ما)، و ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ صلته، والراجع محذوف، أي: أنزله ربكم. و ﴿أَسَاطِيرُ﴾: خبر مبتدأ محذوف، أي: الذي ذكرتم أنه أنزله ربكم أساطير الأولين.
ولك أن تجعل ﴿مَاذَا﴾ اسمًا واحدًا في موضع نصب بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ أي: أيّ شيء أنزل ربكم؟ و ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: رفع على: هو أساطير الأولين.
(٢) هذا الوجه للزجاج ٣/ ٤٥ - ٤٦. والأول لسيبويه، والخليل، والفراء، والمبرد. انظر الكتاب ٣/ ١٣٨. وإعراب النحاس ٢/ ٨٤ - ٨٥.
(٣) عند إعراب الآية (٢٢) من "هود".