قيل: فإن قيل: في سورة البقرة (يُذَبِّحُونَ) (١). بغير العاطف، وهنا (يُذَبِّحُونَ) مع العاطف، فما الفرق؟ فالجواب: أن التذبيح حيث طُرح منه العاطف جُعل تفسيرًا للعذاب وبيانًا له، وحيث أُثبت لم يُجعل تفسيرًا له، بل زيد عليه كأنه جنس آخر (٢).
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ عطف على قوله: ﴿إِذْ أَنْجَاكُمْ﴾، فيكون الظرف معمول النعمة التي هي بمعنى الإنعام، أي: واذكروا إنعامه عليكم ذلك الوقت ووقت تأذَّن ربكم، أو معمول ﴿عَلَيْكُمْ﴾ على ما أوضحت قبيل، أو على قوله: ﴿نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ فيكون معمول (واذكروا)، كأنه قيل: وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا حِين تأذَّن ربكم.
وَتَأَذَّنَ وآذن بمعنىً، والتأذن والإيذان: الإعلام، والعرب قد تستعمل تَفَعَّلَ بمعنى أفعَلَ، ونظير تَأَذَّنَ وآذنَ: تَوَعَّدَ وأَوْعَدَ، وَتَفَضَّلَ وأَفْضَل، وقال أهل التأويل: ولا بد في تفعَّل من زيادة معنىً ليس في أفعل، كأنه قيل: وإذ آذن ربكم إيذانًا بليغًا تنتفي عنده الشكوك، وتنزاح الشُّبَهُ. وقيل: أراد: قال ربكم، لأن العرب تعبر بهذا اللفظ عن القول، لأنه نوع منه، تعضده قراءة من قرأ: (وإذ قال ربكم) وهو ابن مسعود - رضي الله عنه - (٣).
{وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨)
(٢) انظر هذا التعليل أيضًا في معاني الفراء ٢/ ٦٨ - ٦٩. ومعاني النحاس ٣/ ٥١٦، وإعرابه ٢/ ١٧٩. ومشكل مكي ١/ ٤٤٦.
(٣) انظر قراءته في جامع البيان ١٣/ ١٨٥. والكشاف ٢/ ٢٩٤. والرازي ١٩/ ٦٨. والقرطبي ٩/ ٣٤٣. والبحر ٥/ ٤٠٧.