والثاني: أن محلها الرفع، إما على الاستئناف، أي: هم سواء في أني رزقت الجميع، أو على العطف على موضع ﴿بِرَادِّي﴾، على تقدير: فما الذين فضلوا يردون رزقهم على ما ملكت أيمانهم فما يستوون.
والثالث: أنه على إضمار ألف الاستفهام، أي: أَفَهُمْ فيه سواء؟ على سبيل التوبيخ والتقريع.
وقوله: ﴿يَجْحَدُونَ﴾ قرئ: بالياء النقط من تحته ردًا على قوله: ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا....﴾ الآية، وبالتاء النقط من فوقه (١) حملًا على قوله: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَحَفَدَةً﴾ الحَفَدَةُ: جمع حافد، كحرسة في حارس، وهو الخادم (٢)، ورجل محفود أي: مخدوم، والحَفْدُ: الإسراع في الطاعة والخدمة، ومنه قول القانت: "وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِد" (٣).
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧٤)﴾:
(٢) هذا أحد الأقوال في "الحفدة". وهو قول مجاهد، وقتادة، وطاووس، وعكرمة، والحسن. وقيل: هم الأختان والأصهار. وقيل: هم أولاد الأولاد. وقيل غير ذلك. انظر جامع البيان ١٤/ ١٤٣ - ١٤٧. والنكت والعيون ٣/ ٢٠٢. وزاد المسير ٤/ ٤٦٩ - ٤٧٠. واقتصر أبو عبيدة ١/ ٣٦٤ على الأول، وقدمه في الصحاح (حفد) على ولد الولد.
(٣) من أثر وارد في قنوت الفجر، وفيه: "اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق". أخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٣١٤ - ٣١٥. والطبراني في الدعاء (٧٥٠). والبيهقي في السنن الكبرى ٢/ ٢١٠ وصححه من حديث عمر - رضي الله عنه -.