أحدها: أنها الناصبة للفعل، و (لا) صلة، أي: وجعلناه هدى لهم كراهة أن تتخذوا، أو لأن تتخذوا.
والثاني: (أن) صلة، و (لا) نهي، والقول مراد، أي: وجعلناه هدى لهم وقلنا لا تتخذوا.
والثالث: أنها المفسرة بمعنى (أَيْ)، أي: وجعلناه هدى لهم، أي: لَا تَتَّخِذُوا، كما تقول: كتبت إليه أن افعل كذا، أي: افعل كذا (١).
وبعد: فإن (اتَّخذ) منه فعل يتعدى إلى مفعولين بشهادة قوله جل ذكره: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ (٢). وقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ (٣). وأحد مفعوليه هنا ﴿وَكِيلًا﴾، وفي الثاني: وجهان - أحدهما: ﴿ذُرِّيَّةَ﴾ وهو المفعول الأول، و ﴿وَكِيلًا﴾ هو المفعول الثاني، أي: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلًا، أي: رَبًّا تكلون إليه أموركم، وهو في معنى وكلاء، وفعيل قد يقع موقع الجمع بدليل قوله سبحانه: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (٤)، أي: رفقاء.
وقوله: ﴿مِنْ دُونِي﴾ يحتمل أن يكون من صلة الاتخاذ، وأن يكون من صلة ﴿وَكِيلًا﴾، وأن يكون حالًا من وكيل، وهو في الأصل صفة له، والثاني: هو المفعول الثاني، أعني ﴿مِنْ دُونِي﴾، و ﴿وَكِيلًا﴾ هو الأول، وانتصاب قوله: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا﴾ على هذا: إما على الاختصاص، أو على النداء فيمن قرأ: (لا تتخذوا) بالتاء، أي: قلنا لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلًا يا ذرية من حملنا مع نوح، وإنما قيد النداء في قول من قرأ بالتاء، لأن الياء للغيبة، والنداء للخطاب، فلا يسهل اجتماعهما إلا على تأويل، أو على البدل من ﴿وَكِيلًا﴾.

(١) انظر هذه الأوجه الثلاثة في الحجة الموضع السابق.
(٢) سورة النساء، الآية: ١٢٥.
(٣) سورة المجادلة، الآية: ١٦.
(٤) سورة النساء، الآية: ٦٩.


الصفحة التالية
Icon