وفي ﴿أَحْصَى﴾ وجهان:
أحدهما: وهو الوجه وعليه الجمهور: أنه فعل ماض كقوله: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ (١)، ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ (٢)، وأن ﴿أَمَدًا﴾ نصب به، والأمد: الغاية، و (ما) مصدرية، واللام من ﴿لِمَا﴾ من صلة ﴿أَحْصَى﴾، وفي الكلام حذف مضاف، أي: لنعلم أيهم ضَبَطَ أَمَدًا لأوقاتِ لَبْثِهِم، كقولك: آتيك مقدمَ الحاج، وخفوقَ النجم، أي: وقتهما. وقيل: اللام مزيدة، و (ما) موصولة، و ﴿أَمَدًا﴾ نصب بقوله: ﴿لَبِثُوا﴾ (٣)، وليس بشيء لأنه لا معنى عليه، والوجه أن يكون منصوبًا على التمييز، أي: لنعلم أيهم ضبط ما لبثوه أو فيه أمدًا.
والثاني: هو اسم، والمراد به التفضيل، وهو على حذف الزيادة كقولهم: مَا أَوْلَاهُ لِلْخَيْرِ، وَمَا أَعْطَاهُ لِلْدِرْهَمِ (٤). و ﴿أَمَدًا﴾ نصب على التمييز، أو بفعل دل عليه هذا الاسم وهو ﴿أَحْصَى﴾. وأنكر أبو علي ذلك وغيره، وقالوا: لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس، وما ذكره من بناء أفعل شاذ نادر، والقياس على الشاذ النادر في غير القرآن ممتنع، فكيف به؟ ولأن ﴿أَمَدًا﴾ لا يخلو إما أن تنصب بأفعل، فأفعل لا يعمل في ظاهر لضعفه، لأنه مشبه بالصفة المشبهة باسم الفاعل، فلما كانت الصفة التي شبه أفعل بها لا تعمل إلا في السبب، وكان أفعل أنقص منها درجة لم يعمل إلا في المضمر. وإما أن تنصب بقوله: ﴿لَبِثُوا﴾ فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أني أنصبه بإضمار فعل يدل عليه ﴿أَحْصَى﴾ كما أضمر في قوله:

٣٩٦ -........... وَأَضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا (٥)
(١) سورة المجادلة، الآية: ٦.
(٢) سورة الجن، الآية: ٢٨.
(٣) قاله الفراء ٢/ ١٣٦. والطبري ١٥/ ٢٠٧. ومكي ٢/ ٣٧. وانظر التبيان ٢/ ٨٣٩.
(٤) انظر مشكل مكي ٢/ ٣٧.
(٥) عجز بيت من حماسية لعباس بن مرداس السلمي - رضي الله عنه -، وصدره:


الصفحة التالية
Icon