قلت: أجَلْ الأمر كما زعمت، غير أن بين ما ذكرتُ وذكرتَ فريقًا، وذلك أن ما ذكرتَ مفرد معرفة، وما ذكرتُ جملة، والجملة إذا وقعت صفة للنكرة جاز أن يكون معها العاطف، لأن صورة هذه الجملة إذا كانت صفة للنكرة كصورتها إذا كانت حالًا من المعرفة.
فكما جاز أن تقول: جاءني زيد ومعه صقر، جاز أن تقول: جاءني رجل وفي يده سيف، وكفاك دليلًا قوله سبحانه: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾ (١)، فقوله: ﴿وَلَهَا كِتَابٌ﴾ الجملة صفة لقرية ومعها العاطف كما ترى، وليس دخول العاطف بينهما بضربة لازب، بل القياس ألا يدخل بينهما كما في قوله جل ذكره: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ (٢)، قيل: وفائدة ذلك توكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب.
وقيل: الواو في ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ واو عطف ظهرت في هذه الجملة الثالثة لتدل على أنها مرادة أيضًا في الجملتين المتقدمتين (٣) وهما: ﴿ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ والتقدير: ورابعهم كلبهم وسادسهم كلبهم، وإنما حذفت الواو منهما لأن ما فيهما من الضمير يعقدهما بما قبلهما، فاستغني عن العاطف، وهذا معنى قول أبي إسحاق: إن دخول الواو في ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ وإخراجها من الأول على سواء (٤). ولهذا تقول النحاة: إن الجملة إذا عطفت على جملة وفي الثانية ما يعود على الأولى، فأنت في إلحاق الواو وحذفه مخير، نحو: رأيت زيدًا وأبوه خارج، وإن شئت قلت: أبوه خارج، بغير العاطف لأجل الذكر العائد إلى زيد، ولو قلت: رأيت

(١) سورة الحجر، الآية: ٤.
(٢) سورة الشعراء، الآية: ٢٠٨.
(٣) حكاه ابن الجوزي ٥/ ١٢٥ عن أبي نصر في شرح اللمع.
(٤) انظر معاني أبي إسحاق ٣/ ٢٧٧.


الصفحة التالية
Icon