قوله عز وجل: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ (ذلك) مفعول لـ ﴿فَاعِلٌ﴾، و ﴿غَدًا﴾ ظرف له، والإِشارة إلى الشيء المقول، أي: ولا تقولن لأجل شيء تعزم عليه إني فاعل ذلك الشيء غدًا، يعني فيما يستقبل من الزمان، ولم يرد الغد خاصةً.
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾: اختلف في المستثنى منه:
فقيل: هو من النهي على: ولا تقولن ذلك القول إلا أن يأذن الله لك فيه، أو إلَّا أن تقول إن شاء الله، فأضمر أن تقول، ولَمَّا حذف (أن تقول) نقل (شاء) إلى لفظ الاستقبال لا من قوله: ﴿إِنِّي فَاعِلٌ﴾، لأنه لو قال: إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله، كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك ما لا مدخل فيه للنهي.
وقيل: هو من ﴿فَاعِلٌ﴾، على: ولا تقولن إني فاعل ذلك الشيء غدًا حتى تقرن به قول إن شاء الله، أي: لا أفعله إلا بمشيئة الله.
ومحل ﴿أَنْ يَشَاءَ﴾: النصب إما على الاستثناء، على: ولا تقولن ذلك الشيء في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله، أي: وقت إذنه، فحذف الوقت وهو مراد، أو على الحال، أي: ملتبسًا بمشيئة الله قائلًا: إن شاء الله، وقيل: الاستثناء منقطع (١).
وقوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ (إذا) منصوب بـ (أذكر)، والمعنى: إذا نسيت كلمة الاستثناء، ولا يصح الاستثناء إلا متصلًا بكلامه، لأنه إخراج الشيء مما دخل فيه هو وغيره لفظًا، فلا يكون إلا متصلًا بالمستثنى منه، وهذا هو الصحيح وعليه النحاة (٢)، وهو مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه - (٣) وفيه كلام هنا

(١) قاله النحاس ٢/ ٢٧١ مقتصرًا عليه.
(٢) انظر كتاب سيبويه ٢/ ٣٣٠ - ٣٣١.
(٣) انظر مذهبه - رحمه الله - في كتابه الأم ٧/ ٥٦ - ٥٧. وحكاه عنه البيهقي في معرفة السنن والآثار ٧/ ٣١٥ - ٣١٦. والماوردي في النكت والعيون ٣/ ٢٩٩. وبه قال الإمام الطبري ١٥/ ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon