أو حملًا على المعنى، لأن النهي وإن كان للعينين فالمراد صاحبها، كأنه قيل: لا تعد أنت عنهم مريدًا زينة الحياة الدنيا، لا من الكاف في ﴿عَيْنَاكَ﴾ كما زعم بعضهم لعدم العامل، لأن الفعل لم يعمل في الكاف شيئًا (١).
وقوله: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾ الجمهور على إسناد الفعل إلى الضمير وهو النون والألف، ونصب قوله: ﴿قَلْبَهُ﴾ به على معنى: جعلنا قلبه غافلًا عن الذكر عقوبة [له]، أو: وجدناه غافلًا عنه، كقولك: أجبنت الرجل وأبخلته، إذا وجدته كذلك، أو: من أغفل إِبِلَهُ، إذا تركها بِغير سِمَة، أي: لم نَسِمْهُ بالذكر كما وَسَمْنا به قلوب المؤمنين ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ (٢).
وقرئ: (مَنْ أَغْفَلَنَا قَلْبُهُ) بفتح اللام ورفع قوله: (قلبه) (٣)، على إسناد الفعل إليه، على معنى: وَجَدَنا قلبُه معرضين عنه، أو حَسِبنا قلبُه غافلين عنه، من أغفلته، إذا وجدته غافلًا. فإن قلت: فكيف يجوز أن يجد الله عز وعلا غافلًا ويوصف بذلك؟ قلت: قيل: لما فعل أفعال من لا يرتقب ولا يخاف، صار كأن الله غافل عنده في زعمِهِ وحسبانه، وهو جل ذكره بخلاف ذلك (٤).
وقوله: ﴿فُرُطًا﴾ أي: سَرفًا وَتَضْيِيعًا، يقال: أَمْرٌ فُرُطٌ، أي مُجَاوَزٌ فيه الحدُّ. وقيل: متقدمًا للحق والصواب، نابذًا له وراء ظهره، من قولهم: فرسٌ فُرُطٌ، إذا كان متقدمًا للخيل (٥).
(٢) سورة المجادلة، الآية: ٢٢.
(٣) قرأها عمرو بن فائد كما في مختصر الشواذ / ٧٩/. والمحتسب ٢/ ٢٨. وذكر ابن عطية ١٠/ ٣٩٤ - ٣٩٥ عن أبي عمرو الداني أنها قراءة عمرو بن عبيد.
(٤) انظر المحتسب الموضع السابق.
(٥) قاله الزمخشري ٢/ ٣٨٨.