قوله جل وعز: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (١). وقولهم: السَّمْنُ مَنَوانِ بدِرْهَمٍ (٢). أو أجرهم، فوضع المظهر موضع المضمر لأن ﴿مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ هم الذين آمنوا بأعيانهم، وهذا قريب من معنى قول أبي إسحاق (٣)، لأنَّ ذِكْرَ (مَن) كذِكْرِ (الذين)، وذِكْرَ حُسْنِ العَمَل كَذِكْرِ الإيمان، فلما جمعهما معنى واحد - أعني: (من أحسن) و ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ - قامَ ﴿وَمَنْ أَحْسَنَ﴾ مقام الراجع وأغنى عنه لعمومه، كما أغنى دخول زيد تحت الرجل في باب (نِعْمَ) عن راجع يعود عليه لذلك.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ على هذا يجوز أن يكون كلامًا مستأنفًا بيانًا للأجر المبهم فيوقف على ﴿عَمَلًا﴾، وأن يكون خبرًا بعد خبر.
وقيل (٤): الخبر محذوف تقديره: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يجازيهم الله بأعمالهم، دل عليه ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ...﴾ الآية (٥). والوجه ما ذكرت.
وارتفاع قوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ بالظرف وهو ﴿لَهُمْ﴾ على المذهبين لجريه خبرًا عن ﴿أُولَئِكَ﴾ الذي هو مبتدأ واعتماده عليه.
وقوله: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ محل ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ النصب على الحال من الضمير في ﴿تَحْتِهِمُ﴾ لا الرفع على النعت لجنات كما زعم بعضهم، لأن الفعل لأصحاب الجنات لا للجنات وهم المحلَّوْن لا هي.
و﴿مِنْ﴾ الأولى يحتمل أن تكون للبعضية مبعضها محذوف (٦)،
(٢) تقدم تخريج هذا القول في كتب النحو. والمنوان: مثنى منا، وهو معيار قديم يكال ويوزن به. والتقدير هنا: السمن منوان منه بدرهم.
(٣) معانيه ٣/ ٢٨٣.
(٤) وجه ثالث في خبر (إن الذين آمنوا).
(٥) انظر هذا الإعراب في مشكل مكي ٢/ ٤١. والبيان ٢/ ١٠٧.
(٦) جاءت هذه الجملة في (أ) و (ط) هكذا: يحتمل أن تكون للتبعيضية مبعضها محذوف =