وقوله: ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ العامل في ﴿إِذِ﴾ محذوف، وهو ما ذكر وقدر آنفًا، وهو القصة أو الخبر، أي: واذكر قصتها أو خبرها حين اعتزلت أهلها وجلست ناحية عنهم، والانتباذ: الاعتزال والانفراد.
وقيل: هو بدل من ﴿مَرْيَمَ﴾ بدل الاشتمال، لأن الأحيان مشتملة على ما فيها، وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيها (١).
وقيل: هو في موضع الحال من المضاف المحذوف المقدر المذكور آنفًا، لأن الزمان كما يجوز أن يكون خبرًا عن شيء ووصفًا له، يجوز أن يكون حالًا منه (٢).
و﴿مَكَانًا﴾: ظرف للانتباذ في أي مكان، فلما حُذف الجار نصب.
وقيل: هو مفعول به حملًا على المعنى، إذ المعنى: إذ أتت مكانًا (٣). و ﴿شَرْقِيًّا﴾: نعت له، أي جانب المشرق.
﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ انتصاب قوله: ﴿بَشَرًا﴾ على الحال من المستكن في ﴿فَتَمَثَّلَ﴾، و ﴿سَوِيًّا﴾ صفة له، أي: فتصور آدميًا مستوي الخلقة تمامًا.
وقوله: ﴿إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ إنْ شرط وجوابه محذوف، أي: إنْ كنت تقيًا فتنتهي عني بتعوذي بالله منك.

(١) هذا الوجه للزمخشري ٢/ ٤٠٧. واستبعده العكبري ٢/ ٨٦٨.
(٢) انظر هذا الوجه في التبيان الموضع السابق.
(٣) انظر وجهي إعراب (مكانًا) في البيان ١٢١ - ١٢٢. والتبيان الموضع السابق.


الصفحة التالية
Icon