خلاف نسي، والذاكر للشيء عارف به في الحال.
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ جواب قسم محذوف، أي: والله لنجمعنهم في المعاد. و ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾، أي: مع الشياطين الذين أضلوهم.
وقوله: ﴿حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ (حول) ظرف للإحضار. و ﴿جِثِيًّا﴾ نصب على الحال من الهاء والميم في ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ﴾، أي: باركين على ركبهم، وهو جمع جاث، كقعود في جمع قاعد، وقد جوز أن يكون مصدر جثا، وعليه نصبه (١)، وأصله جُثُوْوٌ، جمعًا كان أو مصدرًا، وقد ذكر نظيره قبيل (٢).
﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ الجمهور على ضم قوله: ﴿أَيُّهُمْ﴾ وفيه وجهان:
أحدهما: ضمةُ بناء، وهو مذهب صاحب الكتاب رحمه الله (٣)، وهي مبنية عنده لنقصها، وعدم تمامها، وذلك أن ﴿أَيُّهُمْ﴾ هنا بمعنى الذي عنده، تحتاج إلى صلة وعائد يعود إليها من صلتها كسائر الموصولات، والتقدير عنده: أيهم هو أشد، فحذف (هو)، فلما حذف صدر الجملة التي هي صلتها نقصت، فبُنيت لخروجها عن نظائرها، لأن الصلة توضح الموصول وتبينه، كما أن حذف المضاف إليه (من قبل ومن بعد) يوجب بناء المضاف إذا كان المضاف إليه موضحًا ومُخَصِّصًا للمضاف ومعرِّفًا له، ولو أُظهر العائد فقيل: أيهم هو أشد، أعربت، وإنما أعربت حملًا على نظيرها ونقيضها، فنظيرها: (بعض)، ونقيضها: (كل) وكلاهما معرب، وإذا حذف العائد منها

(١) جوزه مكي في المشكل ٢/ ٦٠.
(٢) عند إعرابه (سجدًا وبكيًا) من الآية (٥٨).
(٣) انظر الكتاب ٢/ ٤٠٠. وحكى مذهبه الزجاج ٣/ ٣٤٠. والنحاس ٢/ ٣٢٣. ومكي ٢/ ٦١.


الصفحة التالية
Icon