قوله عز وجل: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي﴾ اختلف في مفعولي الجعل هنا، فقيل: هما ﴿وَزِيرًا﴾ و ﴿هَارُونَ﴾ قدم ثانيهما وهو ﴿وَزِيرًا﴾ على أولهما وهو ﴿هَارُونَ﴾ عناية بأمر الوزارة، و ﴿أَخِي﴾ على هذا بدل من ﴿هَارُونَ﴾ أو عطف بيان له. و ﴿لِي﴾: من صلة ﴿وَاجْعَلْ﴾ أو حال من ﴿وَزِيرًا﴾ وهو في الأصل صفة له، فلما قدم نصب على الحال، والتقدير: واجعل لي هارون أخي وزيرًا.
وقيل: هما ﴿لِي﴾ و ﴿وَزِيرًا﴾، فـ ﴿وَزِيرًا﴾ الأول و ﴿لِي﴾ الثاني، و ﴿هَارُونَ﴾ على هذا بدل من ﴿وَزِيرًا﴾ أو عطف بيان له، و ﴿أَخِي﴾ بدل من ﴿هَارُونَ﴾ أو عطف بيان له، أو للوزير.
أو هما: ﴿وَزِيرًا﴾ و ﴿مِنْ أَهْلِي﴾، و ﴿هَارُونَ أَخِي﴾ على ما ذكر آنفًا فاعرفه (١).
والواو في الوزير أصل، لأنه إما من الوَزَرِ، وهو الجبل الذي يُلجأ إليه ويُمتنع به، لأن المَلِكَ يعتصم برأيه ويعتمد عليه في أموره. أو من الوِزْرِ وهو الثِّقْلُ، لأنه يحمل عن الملك أوزاره ومؤنه، والواو فيهما أصل كما ترى.
وعن الأصمعي: هو من الموازرة، وهي المعاونة، قال: وكان القياس أزيرًا، فقلبت الهمزة إلى الواو (٢)، قيل: ووجه قلبها أن فعيلًا جاء في معنى مفاعل مجيئًا صالحًا، كقولهم: عشير وجليس وقعيد وخليل وصديق ونديم، فلما قلبت في أخيه قلبت فيه، وحَمْلُ الشيء على نظيره ليس بعزيز، ونظرًا إلى يُوَازِرُ وأخواته وإلى الموازرة (٣).
فإن قلت: لم قلت: إن الواو في الموازرة منقلبة عن الهمزة؟ قلت:
(٢) انظر قول الأصمعي في الكشاف ٢/ ٤٣٢.
(٣) من الكشاف ٢/ ٤٣٢ أيضًا.