﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي: يعلم سبحانه ذلك، وهم لا يعلمونه، و ﴿عِلْمًا﴾ مصدر مؤكد واقع موقع إحاطة، كأنه قيل: ولا يحيطون به إحاطة.
﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ أي: خضعت وذلت، يقال: عَنَا يَعْنُو عُنُوًّا، إذا خضع وذل، والعاني: الأسير، والمعنى: أنها خضعت وذلت خضوع الأسير في يد المالك القاهر له.
وقوله: ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ في موضع الحال من المنوي في ﴿يَعْمَلْ﴾.
وقوله: ﴿فَلَا يَخَافُ﴾ قرئ: بالرفع (١) على أنه خبر مبتدإٍ محذوف، أي: فهو لا يخاف، وبالجزم (٢) على النهي. قال أبو علي: اللفظ على النهي، والمراد الخبر بأن المؤمن الصالح لا خوف عليه، انتهى كلامه (٣).
وموضع الفاء وما بعدها على القراءتين: جزم بجواب الشرط الذي هو ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ﴾، أي: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن، فليأمن الظلم والهضم. [قال أبو إسحاق] (٤): الهضم: النقص، يقال: هضمه واهتضمه، إذا نقصه حقه. والمعنى: فلا يخاف ظلمًا بالزيادة في سيئاته، ولا هضمًا بالنقص في حسناته، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره (٥).
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ

(١) هذه قراءة الجمهور غير ابن كثير كما سوف أخرج.
(٢) قرأها ابن كثير وحده. انظر القراءتين في السبعة / ٤٢٤/. والحجة ٥/ ٢٥١. والمبسوط / ٢٩٨/.
(٣) الحجة ٥/ ٢٥٢.
(٤) ساقط من (أ) و (ب). وانظر معاني أبي إسحاق ٣/ ٣٧٧.
(٥) أخرجه الطبري ١٦/ ٢١٨. عنه وعن قتادة والحسن. وانظر النكت والعيون ٣/ ٤٢٨.


الصفحة التالية
Icon