قوله عز وجل: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ اختلف في فاعل الفعل الذي هو لم يهد:
فقيل: هو الله سبحانه وتعالى، أي: أفلم يبين الله لهم طريق الاعتبار بكثرة إهلاكه القرون بتكذيبهم الرسل، تعضده قراءة من قرأ: (أفلم نهد) بالنون، وهما عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء وغيرهما (١).
وقيل: هو مصدر (لم يهد) أي: أفلم يهد الهدى لهم، دل عليه فعله.
وقيل: ما دل عليه ﴿أَهْلَكْنَا﴾، أي: أفلم يهد لهم إهلاكنا القرون.
وعن بعض أهل الكوفة: فاعل الفعل هو ﴿كَمْ﴾، وأبى ذلك أهل البصرة، لأن كم استفهام، والاستفهام له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله، بل هو منصوب بـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾ وهو مفعول مقدم، ومفسره محذوف، والتقدير: كم قرنًا أهلكنا؟ (٢)
وقوله: ﴿يَمْشُونَ﴾ في موضع نصب على الحال من الهاء والميم في ﴿لَهُمْ﴾، أي: أفلم يهد لهم في حال مرورهم من ديار المهلكين ومنازلهم؟.
﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ ﴿كَلِمَةٌ﴾ مبتدأ، و ﴿سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ في موضع الصفة للكلمة، والخبر محذوف، والكلمة السابقة هي العِدَةُ بتأخير جزائهم إلى الآخرة، ﴿وَأَجَلٌ﴾ معطوف على ﴿كَلِمَةٌ﴾، أي: ولولا كلمة سابقة من ربك بتأخير العذاب عن أمتك وأجل مسمى، وهو يوم القيامة الذي يقع فيه جزاء كل نفس، لكان
(٢) انظر هذه الأوجه في إعراب النحاس ٢/ ٣٦١ - ٣٦٢. ومشكل مكي ٢/ ٧٨. والمحرر الوجيز ١١/ ١١٤.