حملًا على المحل كقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (١) وغيرِه، وأجاز الكسائي: نصبه على الحال (٢). ومعنى محدث: محدث النزول، لأن القرآن أُنزل آية آية، وسورة سورة، وهو كلام رب العالمين، وصفة من صفات ذاته غير محدث، وغير مخلوق، ومن قال غير هذا فهو كافر مبتدع زنديق، لا تحل الصلاة عليه. وقيل: المراد بالذكر هنا الرسول - عليه السلام - (٣) كقوله: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (١٠) رَسُولًا﴾ (٤) على قول من جعل الذكر الرسول (٥).
وقوله: ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ يجوز فيه أوجه: أن يكون من صلة الإِتيان، وأن يكون في موضع الصفة لـ ﴿ذِكْرٍ﴾، وأن يكون في موضع الحال من المنوي في ﴿مُحْدَثٍ﴾، وأن يكون من صلة ﴿مُحْدَثٍ﴾، والأجود أن يكون صفة لـ ﴿ذِكْرٍ﴾.
وقوله: ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ في محل النصب على الحال من الضمير المرفوع في ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ﴾.
﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ نصب على الحال من الضمير [المرفوع] في ﴿يَلْعَبُونَ﴾، وإن شئت من ذي الحال الأول، وهذا معنى قول بعض النحاة: ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ حالان مترادفتان، أو متداخلتان (٦). و ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ رفع بأنها الفاعلة لقوله: ﴿لَاهِيَةً﴾، فاللهو فعل

(١) في مواضع كثيرة أولها في الآية (٥٩) من الأعراف.
(٢) حكاه عنه النحاس في الإعراب ٢/ ٣٦٥. ومكي في المشكل ٢/ ٨١. وجوزه الفراء ٢/ ١٩٧. والزجاج ٣/ ٣٨٣.
(٣) كذا في المحرر الوجيز ١١/ ١٢٢ أيضًا. وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير ٥/ ٣٣٩. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١١/ ٦٨، إلى الحسين بن الفضل.
(٤) سورة الطلاق، الآيتان: ١٠ - ١١.
(٥) رجح الطبري ٢٨/ ١٥٢ هذا القول.
(٦) هو لصاحب الكشاف ٢/ ٣. ووجها الإعراب للفراء ٢/ ١٩٨. والزجاج ٣/ ٣٨٣.


الصفحة التالية
Icon